العدد 1513 /25-5-2022

نشرت وزارة الداخلية الأرقام التفصيلية للانتخابات، وما كان سراً من الأسرار يحتاج "منجّم مغربي" بات مكشوفاً معروفاً لايتطلب خبير إحصاءات ولا قارئة فنجان. ومن المفيد إعادة قراءة هذه الأرقام وفهم دلالاتها. وأنا في هذه السطور سأتناول الأرقام التي نالها مرشحو الجماعة الإسلامية في بعض الدوائر الانتخابية.

مرشح الجماعة في دائرة (الشوف-عاليه) نال أكثر من 5000 صوتاً لكنه لم يفز، بسبب عدم تمكن اللائحة المنضوي تحتها من تأمين حاصل انتخابي. هي ليست المرة الأولى التي ترشح فيها الجماعة مرشحاً للانتخابات في هذه الدائرة. ففي انتخابات عام 1992، رشحت الجماعة في جميع المناطق التي تملك فيها كتلة ناخبة ومن بينها إقليم الخروبٍ. مرشح الجماعة في هذه الدائرة شاب مغمور في مقتبل العمر، الاستحقاق الانتخابي أول تجربة سياسية في مسيرته، ولم يكن يعرفه الناس قبل الانتخابات سوى أبناء بلدته ومحيطه، وربما كان والده معروفاً أكثر منه، فلم تسنح له الفرصة للإطلالة على أي وسيلة إعلامية لتقديم نفسه للناخبين وهذا كما بات معروفاً يتطلب دفع مبالغ طائلة، رغم كل ذلك نال أكثر من 5000 صوتاً. علماً أن مرشحة المجتمع المدني التي فازت بمقعد نيابي في الدائرة نفسها نالت قرابة 6700 صوت، وهي ناشطة منذ زمن، يعرفها اللبنانيون جيداً بسبب إطلالاتها المتكررة على مختلف وسائل الإعلام، بعدما قدمت نفسها مستقلة تغييرية. الخلاصة: الأرقام التي حصّلها مرشح الجماعة في هذه الدائرة تشرف أبناءها ويُبنى عليها، وتؤكد أن للجماعة في هذه الدائرة نواة صلبة، ولو قُدّر لمرشح الجماعة أن يكون في لائحة أخرى قادرة على تأمين حاصل انتخابي لفاز بالمقعد النيابي، علماً أن أحد الفائزين في الدائرة نفسها نال قرابة 4300 صوتاً فقط.

الكلام نفسه يسري على مرشح الجماعة في دائرة البقاع الغربي وراشيا. الذي نال قرابة 3000 صوتاً، وهو كان أول الخاسرين. ولو قدّر للائحته أن تنال حاصلاً انتخابياً إضافياً لكان اليوم تحت قبة البرلمان. علماً أن الأصوات التي نالها تزيد بأكثر من 500 صوت عن تلك التي نالها نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي الذي يشكل أحد أركان السلطة وكان مرشحاً على لائحة الثنائي الشيعي.

أيضاً مرشح الجماعة في دائرة الضنية نال أصواتاً يمكن البُناء عليها رغم تواضعها نسبة لبقية المرشحين. فكثيرون كانوا يعتقدون أن مرشح الجماعة في هذه الدائرة لن ينال أكثر من بضع مئات من الأصوات. صحيح أن المرشح شخصية قديرة ومعروفة في منطقته، وله باع طويل في فعل الخير وتقديم الخدمات وبناء المؤسسات، لكنه طارئ على العمل السياسي. إضافة لذلك، فقد شهدت دائرة الضنية سباقاً محموماً بين المرشحين وعوائلهم، ولعب المال الانتخابي دوراً كبيراً في هذا السباق، كما أن هناك عاملاً لايجب إغفاله وهو وجود مرشح منافس في الدائرة نفسها قريب من أجواء الجماعة، رغم كل ذلك نال مرشح الجماعة قرابة 2300 صوتاً.

ما يجب أن تدركه الجماعة الإسلامية هو أن الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات النيابية والتي تقارب 25000 صوتاً تفضيلياً في مختلف الدوائر الانتخابية، ليست فقط أصوات مؤيديها ومناصريها، بل أيضاً أصوات شريحة واسعة من المسلمين الذين وجدوا في الجماعة الخيار الأنسب بين بقية المرشحين، وهذا أمر يجب إدراكه والتعامل معه بحكمة. ولعلّ الخطأ الأبرز الذي وقعت فيه الجماعة وحرمها من أصوات مقدّرة، تمثّل بإهمال المغتربين من أبنائها ومناصريها. فلم يتمّ التواصل معهم ولا دعوتهم للاقتراع وتعريفهم بمرشحيها. كما لم يتم الاستفادة منهم ليشكلوا مكنة انتخابية مجانية في بلاد اغترابهم. هذا الأمر أفقد الجماعة عنصر قوّة كانت تتميّز به عن بقية المرشحين واللوائح. وقد كشفت الأرقام أن بعض المرشحين حسم فوزهم أصوات المغتربين. ولو أن الجماعة بذلت جهداً متواضعاً في تحفيز المغتربين للاقتراع لكانت تنعم اليوم بكتلة من 3 نواب على الأقل.

لا فائدة من التحسّر على ما فات، هو وقت الاستفادة من النتائج والبناء عليها، وتدارك الأخطاء والعثرات.

أوّاب إبراهيم