العدد 1538 /23-11-2022
أواب ابراهيم

أيام تاريخية تعيشها دولة قطر هذه الفترة، مع بدء مونديال كأس العالم. طوال أكثر من 12 عاماً خضعت قطر لامتحان متواصل، تعلق بمدى نجاحها وقدرتها على تنظيم أهم حدث رياضي تعرفه الأرض، وتتشارك عادة في تنظيمه عدة دول، فكيف بجزيرة صغيرة "جداً جداً جداً" كما وصفها أحد قادة دول الخليج "الشقيقة" يوماً ما للتقليل من قدرها.

طوال 12 سنة جنّدت دولة قطر مواردها واقتصادها وبناها التحتية وقواها العاملة ودبلوماسيتها الناعمة لإنجاح الاستحقاق الذي يتحقق اليوم. وأياً كان مسار البطولة في الأيام المقبلة، فإن نجاح قطر تحقق مع انطلاق صافرة بداية أول مباراة، خاصة أن كثيرين راهنوا على أنه سيتم انتزاع استضافة كأس العالم من الدوحة.

النجاح الذي تحققه قطر هذه الأيام بتنظيم البطولة لم يكن سهلاً، بل اعترضته سنوات عجاف قاسية، تخللتها سنوات أربع من الحصار فرضته دون إنذار دول "شقيقة". فحوصرت قطر في البر والبحر والجو، وكاد يصل الأمر حدّ عدوان عسكري. يتجنّب أبناء قطر اليوم استذكار تلك المرحلة المؤلمة والحزينة من تاريخ العلاقات بين "الإخوة" بعدما عادت المياه إلى مجاريها. خلال سنوات الحصار تلك، تكبّدت قطر تكاليف باهظة ومضاعفة للاستمرار في تشييد البنى التحتية التي التزمت بإنشائها في البطولة. فمعظم مواد البنى التحتية التي كان يفترض أن تصل لقطر عن طريق البر، وصلتها عن طريق البحر والجو بعدما أطبقت الدول المجاورة حدودها مع الدوحة.

ولعلّ بعض الروايات تقول بأن السبب الحقيقي الذي تسبب بحصار دولة قطر عام 2017 يتعلق بغيرة وحقد "أشقائها" من نجاحها باستضافة حدث يضعها على الخارطة العالمية ويصوّب أنظار العالم تجاهها. وقد كان قائد شرطة دبي ضاحي الخلفان صريحاً حين أقرّ خلال حصار قطر، أنه ما ان تتخلى الدوحة عن تنظيم بطول كأس العالم حتى يُرفع الحصار وتنتهي الأزمة بين الأشقاء.

لم تواجه قطر غلّ أشقائها فقط، بل أيضاً حقداً من دول كبرى كانت ترغب باستضافة كأس العالم، لم "تبلع" أن تسبقهم إليه تلك الدولة الصغيرة. إضافة لمواجهة لوبي عالمي لم يعجبه أن تستضيف دولة عربية مسلمة في الشرق الأوسط لحدث عالمي بهذا الحجم. فتعرضت الدوحة -ومازالت- لحملة تشويه وانتقاد متواصلة. كلّ ذلك لم يدفع قطر للتراخي أو الانصياع أو التنازل. هي التزمت بكلّ ما وعدت به في ملفها المقدّم للاتحاد الدولي لكرة القدم لتنظيم البطولة، لكنها لم تقدم تنازلات تتعارض مع قيمها ودينها ودستورها. بل على العكس، هي أقدمت على أمور كان بإمكانها التساهل بها.

فليس تفصيلاً أن تستهل قطر حفل افتتاح أهم حفل كروي على وجه الأرض بآية من القرآن الكريم. وليس تفصيلاّ أن تمنع شرب الكحول في الملاعب التي ستقام فيها المباريات وما حولها، في الوقت الذي تشكل الثمالة وشرب الكحول تقليداً في الغرب يرافق مشاهدة مباريات كرة القدم. وليس تفصيلاً إصرار قطر على منع رفع الشعارات التي تدعو إلى "الشذوذ" -الذي باتوا يطلقون عليه اسم "المثلية"- أو ممارسة أي فعل ينافي الحشمة في الأماكن العامة. وليس تفصيلاً أن تبادر دولة قطر لاستضافة كبار الدعاة العالميين خلال أيام المونديال، وإفساح المجال لهم للوعظ والتعريف بالقيم الإسلامية وتوضيح ما اعترى هذه القيم من تشويه. وليس تفصيلاً أن يتم إيقاف الموسيقى والفعاليات في مناطق المشجعين ورفع الأذان. كل هذه الأمور ليست تفاصيل يمكن المرور عليها دون تمحيص.

كان سهلا جداً بالنسبة لقطر أن تثير إعجاب الأنظمة والجماهير الأجنبية الغفيرة التي قدمت إليها، وأن تستغل فرصة وجودها لتقديم صورة الدولة المنفتحة القريبة من قيم الغرب كما تفعل دول خليجية أخرى.

على العكس.. وقفت قطر وحدها بمواجهة تكتل أخلاقي عالمي يدعو للشذوذ والانحلال، وحافظت على هويتها وقيمها، وأدركت أن الدولة لن تغير دينها وأخلاقها وقيمها من أجل 28 يوماً هي أيام كأس العالم.

أوّاب إبراهيم