العدد 1459 /28-4-2021

ككل عام، في ذكرى ما يطلقون عليه "الإبادة الأرمنية"، يتنافس السياسيون والإعلاميون والفنانون والناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي على مدّ أواصر الودّ والتضامن مع الأرمن في لبنان، وإدانة واستنكار ما قامت به الدولة العثمانية عام 1915. التطبيل والتزلّف والتبييض الذي يمارسه هؤلاء تجاه الأرمن لكسب رضاهم وأصواتهم مفهومة، وان كانت تدلّ على سطحية وسفاهة، لكن ما هو غير مفهوم ولا ومنطقي ولا مقبول أن يكون ضمن من يتزلّف للأرمن على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين هو رأس الدولة.

فرئيس الجمهورية اعتبر في تغريدة أن "ما أصاب الشعب الأرمني بالسيف أصاب الشعب اللبناني بالمجاعة والفاصل الزمني كان سنة واحدة"، ويقصد بذلك الدولة العثمانية، وطالب عون بتحقيق العدالة لهذه القضية.

لن أخوض في الجدل الذي لا ينتهي حول صحة أو عدم صحة الادعاءات بحصول الإبادة الجماعية على يد الدولة العثمانية، وهل كانت فعلاً إبادة أو أنها جاءت في سياق الحرب العالمية الأولى ونتيجة لوقوف الأرمن إلى جانب روسيا ضد الدولة العثمانية. فلكل طرف وثائقه وأدلته التي تؤكد حجّته. لكنني رغم ذلك، سأفترض صحة الادعاءات بحصول الإبادة الأرمنية وسأنطلق من الموقف الذي يجدر بالدولة اللبنانية تجاه هذه القضية بناء على المصلحة.

لا أحد كان ينتظر موقفاً من رئيس الجمهورية تجاه الإبادة الأرمنية، ولن يفتقد أحد موقف الرئيس لو أنه لم يصدر، لكن رئيس الجمهورية وفي سبيل الحفاظ على الكتلة الأرمنية الناخبة التي تصوّت مع حزبه في الانتخابات النيابية، تخلّى عن سدة الرئاسة، وعاد رئيساً للتيار الوطني الحر ليتخذ موقفاً منحازاً متبنياً ادّعاءات الأرمن ومنتقداً الدولة العثمانية وفي طيّاتها تركيا الحالية.

لو صدر هذا الموقف عن صهره جبران باسيل لما كان هناك حاجة للتعليق. فباسيل بعد الانتكاسات التي مُني بهاتياره، والفشل المتراكم لعهد عمه، حريص على كل صوت يمكن أن يحافظ عليه في الانتخابات النيابية المقابلة. أما أن يصدر الموقف عن رئيس حاول إقناعنا في بداية عهده أنه "بيّ الكلّ"، فهذا أمر مستنكر ومرفوض، ولا يمثل لبنان ولا اللبنانيين. فطالما أن فخامته يتضامن مع مآسي الشعوب المقهورة، لماذا لا نسمع له موقفاً في ذكرى المجازر الفرنسية في الجزائر، ولماذا لا يتضامن مع الشعب الجزائري في مواجهة الجرائم التي ارتكبتها فرنسا واعترفت بارتكابها.. أم أن التضامن استنسابي وبناء على المصلحة الخاصة؟.

ثم ما هي مصلحة لبنان في استعداء دولة نافذة إقليمياً، مؤثرة في ملف الأزمة السورية الذي ينعكس على لبنان، تستضيف على أرضها عشرات آلاف اللبنانيين الذين ضاق بهم وطنهم ولم يجدوا مصدر رزق لهم، فوجدوا في إسطنبول ما يحفظ لهم كرامتهم ولقمة عيشهم، والتبادل التجاري معها لايهدأ وسيزداد نشاطاً في المستقبل بعد عجز التجار عن الاستيراد من الغرب بسبب انهيار سعر صرف الليرة. ثم لمصلحة من هذا الاستعداء، لمصلحة أرمينيا التي تتخبط سياستها بين رئيس مرفوض من الشارع وجيش مهزوم بعد الهزيمة النكراء التي تلقاها في ناغورني قرباخ من أذربيجان؟. بعد إقفال السعودية الباب على الخضار اللبنانية بسبب تجارة المخدرات التي تبيّن أنها تجري تحت أعين أجهزة أمنية ووزارات، هل يريد رئيس الجمهورية إقفال باب تركيا بوجه اللبنانيين؟!.

نحمد الله أن المسؤولين في تركيا "مكبّرين عقلهم" ولا يلقون بالاً لمواقف رئيس الجمهورية ويدركون أنها لا تعبر عن رأي اللبنانيين، ولا يتخذون إجراءات انتقامية تعود بالضرر على لبنان. لكن تبقى غصّة في قلوب اللبنانيين أن يكون رئيسهم بهذا المستوى من القصور في التفكير، والنظر للأمور من زاوية مصلحته ومصلحة حزبه الضيقة.

أوّاب إبراهيم