العدد 1525 /24-8-2022
أواب ابراهيم

قضايا ثلاث مرت سريعاً على اللبنانيين خلال الأيام الماضية تؤكد ما بات بديهياً من حرمان وظلم وقهر تتعرض له منطقة الشمال وأبنائها، لاسيما مدينة طرابلس.

القضية الأولى هي وصول غواصة إلى لبنان ستعمل على سحب الزورق الذي غرق قبالة شواطئ طرابلس، وانتشال ما تبقى من جثث الضحايا الذين يقدر عددهم بثلاثين شخصاً. الملفت في هذه القضية أنه رغم مرور أربعة أشهر على الحادثة، لم تكتفِ السلطة بعدم بذل أي جهد لانتشال جثث الضحايا (لبنانيين وفلسطينيين وسوريين)، بل إنها تجاوزت هذا الإهمال والتخلي لمرحلة أكثر تقدماً. فهي طمرت القضية وأخفتها ولم تأتِ على ذكرها حتى إعلامياً. كما أنها لم تتابع التحقيقات في كيفية غرق المركب، والذي من المعروف أن دورية تابعة للجيش اللبناني هي التي اعترضت طريقه واصطدمت به عدة مرات مما أدى لغرقه وغرق من كان على متنه. والغواصة التي وصلت قبل أيام لم تأتِ بجهود السلطة أو بناء على طلبها، بل بجهود شخصيات طرابلسية عملوا على تمويل استقدام الغواصة من جيوبهم، وبجهود فردية. ولو عاد الأمر للسلطة ربما لما رغبت بوصول الغواصة وانتشال المركب وما تبقى من جثث الضحايا، لأن ذلك سيعيد للأذهان تقاعسها وخذلانها.

القضية الثانية هي مرور تسع سنوات على جريمة دموية بشعة شهدتها مدينة طرابلس تمثلت بتفجير مسجدي التقوى والسلام في آب 2013 مما أدى لسقوط أكثر من ٥٠ شهيداً و٥٠٠ جريح. هذه المرة لم يأخذ تخاذل السلطة تجاه طرابلس وأبنائها شكل الإهمال والتقاعس. فقد أحيلت الجريمة إلى المجلس العدلي بقرار من مجلس الوزراء، وصدر حكم مبرم، بعدما كشفت التحقيقات تورط عدد من كبار ضباط النظام السوري مقربون من رأس النظام، إضافة لعملاء النظام في لبنان في التخطيط وتنفيذ الجريمة. حسب الحكم القضائي فإن الهدف من ارتكاب الجريمة ليس فقط التسبب بقتل وجرح مئات اللبنانيين، بل الأخطر هو السعي لزعزعة السلم الأهلي ومحاولة إشعال فتنة طائفية بين اللبنانيين. المستغرب أنه رغم إدانة القضاء اللبناني للنظام السوري وعملائه بهذه الجريمة، فإن لم تنعكس على أداء السلطة اللبنانية تجاه هذا النظام، أو تجاه المتورطين بارتكاب الجريمة. فالمدانون من أعلى سلطة قضائية يحضرون في الصفوف الأولى وأمام وسائل الاعلام في احتفالات تقام الضاحية الجنوبية، كما أن فريق لابأس به من أهل السلطة يطالب بعودة العلاقات الطبيعية مع النظام السوري، ولايخطر بباله إدانة هذا النظام أو على الأقل مطالبته بتسليم المجرمين من كبار قومه، فذهب حق الشهداء والجرحى من أبناء طرابلس سدى، وتُركت دماء المصلين منثورة على جدران مسجدي التقوى والسلام.

أما القضية الثالثة المرتبطة بما سبقها، فهي الإفراج عن الوزير السابق ميشال سماحة بعد 13 سنة قضاها في السجن. سماحة كان قد أُدين من المحكمة العسكرية بالتحضير لأعمال إرهابية ونقل متفجرات من سورية إلى لبنان بهدف تفجيرها وقتل شخصيات سياسية لبنانية ورجال دين وتحديداً في طرابلس والشمال. كل ذلك بالتنسيق مع رئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك. لم يكن بإمكان المحور الذي ينتمي إليه سماحة إخفاء جريمته أو طمسها، نظراً للأدلة الفاضحة وانتشار مقاطع فيديو وصور لسماحة، تثبت بالصوت والصورة تورطه في عملية نقل العبوات وتسليمها إلى أحد المخبرين، وإعطائه التوجيهات لتنفيذ التفجيرات. رغم خطورة الجرائم التي أدين بها سماحة، وما كان يمكن أن تتسبب به من مواجهات طائفية، وسقوط ضحايا من أبناء الشمال، في الوقت الذي يقبع العشرات من خيرة أبناء هذه المنطقة في السجون منذ سنوات دون محاكمة، بتهم دون دليل، مبنية على مجرد الشبهة أو وثيقة اتصال باطلة قانوناً.

الحرمان والقهر الذي تعاني منه طرابلس وما حولها لايرتبط فقط بانقطاع التيار الكهربائي، وانهيار البنى التحتية، وغياب الخدمات الأساسية، والبطالة المنتشرة بين أبنائها. طرابلس محرومة من وطن يحضنها يبلسم جراحها، ويطالب بحق أبنائها.

أوّاب إبراهيم