العدد 1464 /2-6-2021

بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بدأ النظام المصري بتقديم أداء مختلف في التعاطي مع الملف الفلسطيني – الإسرائيلي اختلف عما اعتاد عليه الفلسطينيون. فالجانب المصري بخلاف السنوات الماضية لم يكن منحازاً للجانب الإسرائيلي في عدوانه على القطاع، ولم يُقْدم على أيّ خطوة سلبية تجاه الفلسطينيين.

منذ اليوم الأول للعدوان، وقف النظام المصري على الحياد بخلاف مرات سابقة كثيرة، وشكلت مصر إلى جانب قطر محوراً للاتصالات الهادفة لوقف العدوان على القطاع، وصولاً للتهدئة التي تمّ التوصل إليها، والتي شكلت انتصاراً للمقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي. لم تكتفِ القاهرة بما قامت به، فلم تمر أيام على دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ حتى وصل إلى قطاع غزة مدير المخابرات المصري القريب من رأس النظام، والتقى قادة حماس إلى جانب بقية الفصائل الفلسطينية، وحرص على عناق وتقبيل قائد حماس في غزة يحيى السنوار الذي يضعه العدو الإسرائيلي على رأس قائمة الاغتيالات، وتضعه الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب.

دوافع كثيرة يمكن استنتاجها للتغيّر الحاصل في أداء النظام المصري من الملف الفلسطيني بشكل عام، وقطاع غزة على وجه الخصوص. فالدور الذي لعبته القاهرة في ملف التهدئة أعادها لخارطة الاهتمام الدولي، وكشف عن قوة تأثيرها على الملف الفلسطيني المتفجّر. فلا يمكن التقليل من أهمية اتصال الرئيس الأميركي برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي خلال مساعي التهدئة، والتأكيد له على الدور الذي تلعبه القاهرة في المنطقة، ليشكل الدور المصري في الملف الفلسطيني سبباً للتواصل بين الرئيس الأميركي منذ انتخابه والسيسي.

من السذاجة الاعتقاد أن التغيّر الإيجابي الحاصل في أداء النظام المصري تجاه الملف الفلسطيني هو صحوة ضمير، أو إدراك للمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون المحاصرون في قطاع غزة، خاصة أن السيطرة على القطاع هي لحركة حماس التي تشكل امتداداً فكرياً لجماعة الإخوان المسلمين العدو اللدود للنظام المصري. ببساطة، النظام المصري وجد مصلحته في هذا الأداء الجديد، أولاً لإيجاد مكان تحت الضوء في دائرة التأثير الدولية، وثانياً لتوجيه رسائل للقريب البعيد بأن خيارات القاهرة لم تعد محصورة.

أياً كانت الدوافع التي تقف وراء هذا التغيّر، فإن من واجب مجاهدي المقاومة الفلسطينية أن يشكروا مصر على دورها بإنهاء العدوان ومساندتها للشعب الفلسطيني. توجيه الشكر لأن ما قام به النظام المصري -حتى هذه اللحظة- يستحق الشكر أولاً، وثانياً تشجيعاً على المضي قدماً في هذا الطريق المساند والداعم للشعب الفلسطيني، على أمل أن يستكمل هذا المسار بفتح معبر رفح وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة.

لكن كل ما سبق لن ينفي حقيقة لايملك أحد شطبها من الذاكرة، وهي أن النظام المصري الذي ساهم بوقف العدوان الإسرائيلي سبق له أن نفّذ انقلاباً عسكرياً وبنى شرعيته على أنقاض رئيس جمهورية وحكومة ومجلس شعب منتخب. وأن رئيس هذا النظام الذي تُرفع صوره في قطاع غزة هو من أمر بتنفيذ مجزرة راح ضحيتها مئات الشباب الرافضين للانقلاب، وزجّ في سجونه خيرة أبناء الشعب المصري من بينهم رئيس الجمهورية وأعضاء حكومته ونواب مجلس الشعب وآلاف آخرون من مؤيّدي الرئيس المنتخب، كثير منهم في الحبس الانفرادي منذ سنوات، تمرّ عليهم الأيام والأسابيع والشهور والسنون، يعيشون موتاً بطيئاً متعمداً من النظام.

للمقاومة الفلسطينية أن تشكر كل من قدم لها العون والمساندة، ولها أن تبعث بالتحايا لمن شاءت، سواء للنظام المصري أو لغيره من الأنظمة، لكن ذلك لن يطمس ما ارتكبه هؤلاء من جرائم بحق شعوبهم.

أوّاب إبراهيم