اواب ابراهيم

دخل أعضاء مجلس شورى حركة حماس قاعة الاجتماع المخصص لانتخاب رئيس مكتب سياسي للحركة، هذا المنصب الذي يوازي بالنسبة إلى الأحزاب الأخرى القائد أو الرئيس أو الأمين العام. كان ذلك قبل أربعة أعوام، الأجواء كلها كانت مهيّأة للتجديد لرئيس المكتب السياسي الحالي خالد مشعل، فالنظام الداخلي للحركة يتيح التجديد لولاية ثانية، والظروف المحيطة بالحركة لم تكن تسمح بالتغيير، فالعدوان الإسرائيلي على غزة لم يكن بعيداً، والوضع الفلسطيني يعيش حالة من عدم الاتزان، إضافة إلى أن دولاً وشخصيات وازنة صديقة لحماس أبدت تمنياتها بأن يتم التجديد لخالد مشعل، نظراً لكفاءة الرجل ونجاحه في قيادة الحركة في أصعب الظروف، وإتقانه نسج شبكة علاقات واسعة، هذا عدا عن عدم توفر اسم بديل يمكن أن يملأ الفراغ الذي سيتركه مشعل. 
جرى العرف عند انتهاء ولاية كل مسؤول أن يُعطى الكلمة ليقدم جردة حساب عن ولايته، وهذا ما حصل. فألقى خالد مشعل كلمة كان مُنتظراً أن تلخّص رؤيته المستقبلية للمرحلة القادمة، لكن تبيّن أنها كانت خطبة وداع. ففي ختام كلمته التي تخللتها محطات عاطفية ووجدانية انعكست دموعاً اغرورقت بها عينا مشعل، حسم الرجل أمره بعدم رغبته التجديد لولاية ثانية. أحدث القرار صدمة لدى سامعيه سواء المتواجدين في القاعة التي تحدث فيها، أو من يتابعونه بالصوت والصورة في قيادة الحركة في قطاع غزة والضفة الغربية، فهو بذلك يخلط أوراق الحركة ويضعها أمام المجهول. انتهاء الجلسة كان إيذاناً ببدء اجتماعات ماراتونية ضيقة وموسعة تسعى لهدف واحد، هو ثني مشعل عن قراره، ووضعه أمام مسؤوليته في الحفاظ على الحركة التي قادها طوال السنوات الماضية. فالتحديات التي تواجه حماس لاتتحمل تبديلاً في موقع القيادة الأول. أوقد ثمرت الضغوط الداخلية والتمنيات الخارجية، فرضخ مشعل وتمّ التجديد له لولاية ثانية على رأس أكبر حركة مقاومة في العصر الحديث. 
اليوم، وبعد مضيّ أربع سنوات، تتحضّر الأطر التنظيمية لحركة حماس خلال الأسابيع المقبلة لإجراء انتخاباتها الداخلية، التي ستتوّج في آخر مراحلها بانتخاب قائد جديد للحركة. هذه المرة خالد مشعل لن يكون مرشحاً، فقد استنفد فترتين تنظيميتين ولم يعد بالإمكان التجديد له، علاوة على أن الرجل يحصي الأيام والليالي لتسليم الأمانة للقائد الذي سيتم انتخابه. السؤال المطروح هو: ماهو الدور الذي سيقوم به خالد مشعل في المرحلة القادمة، وكيف يمكن استثمار الرمزية والخبرة التراكمية وشبكة العلاقات التي نسجها؟ فبشهادة الأصدقاء والأعداء شكّل خالد مشعل زعامة استثنائية نادرة، تخطّت الشأن الفلسطيني لتشمل العالم العربي والإسلامي، وصار رمزاً قيادياً يمنح وجوده بارقة أمل في زمن سادت فيه الظلمة، وهو بنجاحه في قيادة أكبر حركات المقاومة قدّم للأمة نموذجاً مضيئاً ليس من السهل تكراره، فهل تنتهي هذه النجاحات بأن يخرج الرجل من دائرة الضوء ويرتاح على مقعده. كيف يمكن للأمة أن تستفيد مما اختزنه خالد مشعل على مدى أربعة عقود من الخبرة والقيادة، التي بدأت  في العمل الطلابي الجامعي بالكويت، ومساهمته في تأسيس حركة حماس إلى جانب عدد من إخوانه، ثم من بعدها مشاركته في قيادة الحركة في الأردن وتعرّضه لمحاولة اغتيال إسرائيلية قدّر الله أن تكون سبباً في الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، لينتقل بعدها إلى سوريا ليدير من هناك دفة الحركة التي تشهد في هذه المرحلة تصاعداً في أداء عملها المقاوم واتساعاً في شعبيتها، لتكون آخر محطات ترحال الرجل في قطر، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي وانتقال شرارتها إلى دمشق ومحاولة نظام الأسد استغلال رصيد حماس لدى الأمة. ما هو موقع خالد مشعل بعد أشهر؟ الإجابة ليست عندي، لكن ما أعرفه جيداً هو أن مشعل فارس لم يحن أوان ترجّله بعد، ومسيرته القيادية والجهادية الطويلة يجب استثمارها في ميادين أخرى جديدة، ربما لم تكن متاحة حين كان على رأس الحركة.