العدد 1467 /23-6-2021

يعيش لبنان منذ أكثر من سنة تخلّ كامل من السلطة عن مسؤولياتها وواجباتها، وتركت اللبناني يقبّع يشوكه بيده، أمام طوابير محطات البنزين، في الأفران، أمام الصيدليات، في انتظار التيار الكهربائي، ومؤخراً أمام محال بيع القهوة بعد رفع الدعم عنها.

لبنان ليس الدولة الأولى في العالم التي يصيبها انهيار اقتصادي ونقدي واجتماعي. فالانهيارات سمة بالنسبة للدول لاسيما الضعيفة منها، لكن المفارقة في لبنان التي يتميّز فيها عن غيره، هو أن السلطة فيه تعيش على كوكب آخر، وتتصرف وكأن الأمور بخير. هي تعرف ما يحصل على الأرض، لكنها لا تجد نفسها معنية بمعالجته، وتتفرّغ لمناكفات وسجالات تزيد من عمق أزمات اللبنانيين، وتزيد من حالة الفوضى والضياع والتخبّط الذي يعيشونه كلّ يوم.

كلّ من في السلطة مسؤول عن الانهيار الحاصل، ليس لأحد التذرع بعجزه أو ضعفه. بعضهم يتحمّل مسؤولية أكبر من غيره، لكنهم جميعاً مسؤولون، خاصة أن الأسباب التي أدّت للانهيار الحاصل باتت معروفة، كما الجهات التي ساهمت بهذا الانهيار، سواء بأدائها وفسادها وسرقاتها، أو بصمتها عن فساد الآخرين وسرقتهم رغم قدرتها على التغيير وفضح الفاسد وردع السارق.

الخروج من النفق المظلم لا يكون بالبحث عن الجهات المسؤولة عن الانهيار وشتمها، بل بالبحث عن الجهات التي تملك تدشين مسار الخروج من الأزمة الحاصلة. وكما في المسؤولية عن الانهيار فإن جميع من في السلطة يمكنه المساهمة في التوصل لحلول للأزمة، لكن طرفاً واحداً يتحمل العبء الأكبر في الوصول إلى سبيل للخروج من للأزمة، وهو حزب الله.

فالحزب بعيداً عن دوره الإقليمي والعسكري في خدمة إيران، فإنه الطرف الوحيد الذي يمكنه ممارسة ضغط على القوى السياسية لوقف مهاتراتها ومناكفاتها والتوصل لصيغة سياسية مقبولة تمهّد لتشكيل حكومة جديدة، تكون مدخلاً للبدء في حلّ الأزمات التي تتوالد كل يوم. فالحزب هو الوحيد الذي يملك قوة الضغط على الأطراف السياسية الأخرى للوصول إلى مخرج للأزمة، كما أنه الوحيد الذي يملك خيارات عدة في ممارسة هذا الضغط.

فحزب الله الذي يعرفه اللبنانيون جيداً، يدركون أنه في محطات سابقة حين استشعر الخطر كان أداؤه مختلفاً، واستخدم تماسكه التنظيمي وفائض قوته لتنفيذ ما يراه مناسباً. ففي أعقاب عدوان تموز 2006، اشترط الحزب لتشكيل حكومة جديدة أن ينال وحلفاؤه ثلث عدد الوزراء في الحكومة. لم تستجب الأكثرية لطلبه، فلم يعقد الحزب لقاءات سياسية مع القوى التي لم تستجب لطلبه، ولم يعقد مؤتمرات صحفية لشرح وجهة نظره، بل حشد مناصريه ومؤيّديه واعتصم وسط بيروت مقابل السرايا الحكومي، معلناً أنه لن يوقف اعتصامه إلا بالاستجابة لمطلبه.

في مرة أخرى، ولأسباب غير مقنعة لأحد، وبسبب عدم رضى حزب الله عن أداء رئيس الوزراء سعد الحريري، أسقط الحزب وحلفاؤه الحكومة باستقالتهم منها. وفي مرة ثالثة، افتعل حزب الله أحداث 7 أيار 2008 متذرعاً بقرارات حكومية تستهدف شبكة اتصالاته وضابط في مطار بيروت. كان بإمكان الحزب أن يوكل لأحد قيادييه التواصل مع الحكومة للتراجع عن القرارات. كان بإمكانه تجاهل القرارت واعتبارهم وكأنهم لم يكونوا كما فعل في اتهام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لقياديين في الحزب بمسؤوليتهم عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كان بإمكان الحزب إعلان العصيان المدني وتكرار الاعتصام في الشارع كما فعل سابقاً. لكن الحزب لم يفعل ذلك، بل وجّه سلاحه باتجاه صدور اللبنانيين وسيطر على العاصمة، وأحرق مقار خصومه.

خلاصة القول، أنه ليس دقيقاً ادّعاء الحزب بأن قدرته على التأثير في الشأن الداخلي محدودة، وأنه يفعل استطاعته لإيجاد حاول للأزمة القائمة. فالسنوات كشفت للبنانيين أن إمكانيات الحزب في التأثير والضغط لتنفيذ ما يريد كبيرة، تتجاوز عقد لقاءات لتقريب وجهات النظر. لكن يبدو أن الحزب لا يجد أن الانهيار الحاصل يستحق ذلك.

أوّاب إبراهيم