العدد 1484 /27-10-2021

كل شيء على أحسن ما يرام، لا شيء ينقص اللبنانيين، وكل شيء متوفر، والبحبوحة تُغرق البلد.. أزمة واحدة كبيرة خانقة، أتت لتؤرق راحة اللبنانيين وتنغّص عليهم سعادتهم، هي رفض سمير جعجع طلب الاستماع له في ملف أحداث الطيونة. لا بأس بأن التيار الكهربائي بات ضيفاً عزيزاً يزورهم ساعة أو ساعتين في اليوم، ولا بأس بأن سعر صفيحة البنزين زاد عن ثلاثمائة ألف ليرة، ولا بأس أن المجاعة تقترب من البطون، المشكلة الأساسية التي لابد من إيجاد مخرج لها هي خضوع رئيس القوات اللبنانية بالاستجابة لطلب المحكمة العسكرية.

مبدع حزب الله في ابتكار الأزمات. طوال أشهر كانت آمال اللبنانيين معقودة على تشكيل الحكومة لتبدأ العمل على إيجاد حلّ للانهيار الذي يعاني منه لبنان، لكن لم تكد مولّدات الحكومة تدور، ويتسلّم الوزراء وزاراتهم، حتى بدأت تتفجّر ملفات خلافية لا يعرف اللبنانيون من أين أتت.

هي ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها افتعال قضايا للعرقلة والتعطيل لتحقيق مآرب أخرى. فقد سبق لحزب الله قبل سنوات أن ابتكر ملفاً أطلق عليه اسم "شهود الزور". يومها ضرب الحزب قدمه في الأرض، وتوعّد الحكومة بأنها لن تواصل انعقادها قبل البحث في هذا الملف المفصلي والهام والأساسي لتحقيق العدالة، وتمّ استغلاله مبرراً لإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. سقطت الحكومة، وسقط معه ملف شهود الزور الذي نام في أدراج الضاحية الجنوبية ولم يعد أحد يأتي على ذكره بعدما انتفت الحاجة إليه. في مناسبة ثانية، تمّ اختراع قضية الأحداث التي شهدتها منطقة قبرشمون بعد الزيارة الاستفزازية التي قام بها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل للمنطقة. تعطّل مجلس الوزراء لأشهر بعدما طلب أحد حلفاء حزب الله إحالة أحداث قبرشمون إلى المجلس العدلي شرطاً لعودة مجلس الوزراء للانعقاد. هذا الاشتراط كان مفهوماً أنه تمّ برعاية واحتضان حزب الله. أشهر من التعطيل فوّتت على اللبنانيين مصالح كثيرة. لم تتم إحالة الملف للمجلس العدلي لكن مجلس الوزراء عاد للانعقاد (!!). في مناسبة أخرى سبقت، عرقل حزب الله تشكيل الحكومة، بذريعة اشتراط توزير أحد أعضاء اللقاء التشاوري (السني) القريب منه. هذا الشرط اعتبره الحزب يومها مطلباً محقاً، ومن أجله تأخر تشكيل الحكومة أشهراً طويلة، لكن وكما في كل مرة، تشكلت الحكومة وتشكلت بعدها حكومات، ولم يعد يأتي أحد على ذكر هذا المطلب، وتمّت إحالة اللقاء التشاوري إلى قسم الأرشيف لاستدعائه حين تتطلب المصلحة ذلك. واليوم الأزمة التي ابتكرها حزب الله لعرقلة عمل الحكومة هي قضية المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت، رغم أن هذا الملف شأن قضائي يفترض أن مجلس الوزراء لا علاقة له به. لكن وكما دائماً، يستند الحزب إلى فائض القوة الذي يشعر به للتعطيل، بانتظار إنجاز التسويات المطلوبة.

الأسابيع الماضية كانت شهدت تهديداً ووعيداً وتلويحاً بالإصبع من جانب حزب الله للمحقق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت. اليوم تراجع الاهتمام بهذا الملف، واحتلّ الصدارة ملف استدعاء جعجع كشاهد، وربما يعطّل حزب الله وحلفاؤه انعقاد مجلس الوزراء ريثما يتم التوصل لحل لهذه الكارثة الكونية بعدم استجابة جعجع لطلب محكمة يُدرك القاصي والداني أنها تستجيب لطلبات مَن، وتساير مَن، وتخدم مَن، وتتغاضى عن طلبات مَن. فلم يعد هناك مشكلات سوى القوات اللبنانية ورئيسها، وإذا استجاب جعجع لطلب المحكمة فإنّ جميع هذه الأزمات ستجد طريقها للحلّ. الدولار سيعود إلى 1500 ليرة، وأموال اللبنانيين ستصبح متاحة للسحب من المصارف، وأسعار السلع ستنخفض والتيار الكهربائي سيصبح متوفراً، والنفايات ستُرفع من الشوارع..

ليس صحيحاً أن الوضع اليوم أفضل مما كان عليه قبل تشكيل الحكومة. حينها كان لدى اللبنانيين أمل بأنه حين تتشكل الحكومة ستبدأ عجلة الحلول بالدوران، لكن اليوم حتى الأمل نجحت الطبقة السياسية بقتله، ليبقى المواطن أسير فقره، في الوقت الذي يتم ابتكار قضايا خلافية لا أحد يدري من أين أتت.

أوّاب إبراهيم