العدد 1511 /11-5-2022

بعد اشتعال ثورة 17 تشرين الأول 2019، عَلَت أصوات كثيرة في لبنان مطالبة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة. فالفساد الذي أحاط بالطبقة السياسية تسبّب بتسارع انهيار الاقتصاد وهذا تطلّب استبدالها بسلطة أخرى، تقوم بمعالجة الأخطاء التي وقعت بها السلطة السابقة التي -على أقلّ تقدير- فشلت في معالجة الأزمات ومسؤولة عما آلت إليه الأوضاع، وسرّعت بالانهيار ان لم تكن مسؤولة عنه. لكنّ أصوات المشاركين في السلطة كانت أعلى من أصوات المطالبين بالتغيير، فرفضوا التخلّي عن كراسيهم، وإفساح المجال لغيرهم، وأصروا على أن الاستحقاقات الدستورية يجب أن تجري بمواعيدها. رئيس الحكومة -آنذاك- سعد الحريري قدّم استقالته من رئاسة الحكومة معتبراً أنه لايمكن معالجة الانهيار إلا بتشكيل حكومة اختصاصيين بعيداً عن التقاسم السياسي، بالتزامن قدّم عدد من النواب استقالتهم من المجلس النيابي للضغط باتجاه إجراء انتخابات مبكرة، لكن لم يستجب أحد لهذا المطلب.

استقالة حكومة الحريري أضاعت أشهراً من البحث عن رئيس حكومة يشكل مجلساً للوزراء من اختصاصيين بعيداً عن السلطة السياسية المسؤولة عما آلت إليه أمور اللبنانيين، فتولّى حسان دياب المهمة، ليتبيّن بعد ذلك أن الاختصاصي الوحيد فيها هو رئيسها، أما بقية الوزراء فكلّ منهم يتبع مرجعيته السياسية. تميّزت حكومة دياب بأنها قدّمت أسوأ أداء يمكن لأيّ حكومة أن تقدّمه. وكان من أبرز إخفاقاتها الامتناع عن تسديد سندات اليوروبوند دون اتفاق مع الدائنين، إلى أن حصل تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020.

لم تقوَ حكومة دياب المتهالكة على تحمّل وطأة الانفجار، الذي تبيّن أنه ناتج عن تقصير وإهمال متراكم من الأجهزة السياسية والأمنية والقضائية. فاستقال دياب وتخلّت سلطة تصريف الأعمال لأشهر أخرى عن مسؤولياتها، تاركة اللبنانيين يتخبطون بعتمتهم وطوابير الذلّ أمام محطات البنزين، ووجبة دسمة يتناتشها جشع تجار السوق السوداء وأصحاب المولدات، إلى أن تمّ تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، واصلت الجلوس على مقاعد المتفرجين وهي ترقص على أوجاع اللبنانيين الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ومن استطاع منهم سبيلاً ونجح باستخراج جواز سفر يمّم وجهه شطر مطار بيروت، إلى أيّ بلد يمكن له أن يؤمّن فيه قوته وقوت عياله.

إخفاقات السلطة وفشلها بات حقيقة لا يختلف اثنان حولها، وقد شكل انفجار مرفأ بيروت نموذجاً فاقعاَ على هذا الفشل والفساد. فالسلطة إذا لم تكن ضالعة بالتسبّب بالانفجار، فإنها حتماً ضالعة في تمييع التحقيق حوله. فمن خلال أساليبها الملتوية، ولحماية أبنائها المسؤولين المتورّطين بالإهمال بتخزين المتفجرات في المرفأ، عرقلت عمل المحقق العدلي، من خلال إمطاره بإجراءات إدارية وقضائية ودعاوى ودعاوى مضادة، لتهدّد أحزاب نافذة "بقبع" المحقق، إلى أن نجحت بكفّ يده وتعطيل التحقيق، ليبقى من ثبتت مسؤوليتهم عن الانفجار أحراراً وبعضهم مرشح اليوم للانتخابات النيابية.

كل ما سبق إنعاش لذاكرة اللبنانيين عمّا عانوه خلال السنوات الأربع الماضية شكلت ولاية مجلس النواب التي تنتهي بعد أيام. مجلس نيابي انبثقت عنه سلطة سياسية مسؤولة بفسادها وسوء إدارتها وتواطئها وتورّطها عن كل المآسي والنكبات التي حلّت باللبنانيين. لكن بعد أيام قليلة، تفصل اللبنانيين عن إمكانية التخلص من هؤلاء النواب ومعاقبتهم ومعهم أركان السلطة مجتمعين، ومحاسبتهم، وإعادتهم لبيوتهم. الفرصة التي انتظرها كثير من اللبنانيين منذ سنوات حانت اليوم، رغم أنف السلطة وأحزابها. الانتخابات التي رفضوا إجراءها قبل سنوات باتت قدراً محتوماً. والمحاسبة التي طالب بها عشرات آلاف اللبنانيين على مدى أسابيع في ساحة النور بطرابلس، وساحة الشهداء ببيروت، وساحة إيليا بصيدا ومختلف المدن والقرى اللبنانية حان أوانها. خطوة واحدة فقط تفصلنا عن هذه المحاسبة، بعدم منح الثقة لأي من الأطراف التي شاركت في السلطة، والتصويت لمن يتوسّمون به الصلاح والخبرة التي يحتاجها اللبنانيون.

أوّاب إبراهيم