العدد 1546 /18-1-2023
أواب ابراهيم

في التقارير الاقتصادية الصادرة عن المؤسسات الدولية كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، إشارات إلى أن ما كان يُخشى منه في لبنان، أو ما يسمى بالارتطام في القاع والإفلاس التام للدولة والمجتمع، لم ولن يحصل. وأن الإصلاح الكبير الذي كان شرطاً ضرورياً للبقاء على قيد الحياة، لم يعد مستعجلاً، طالما أن قدرة اللبنانيين على التكيّف مع الأزمة ومناعتهم، لاحدود لها، بدليل أن الشارع لم ينفجر، والأمن لم يضطرب أكثر من المألوف، وكل جمهور مازال "يلهث" وراء زعيمه الطائفي ولو لم يكن يجد خبزاً يقتات منه.

لا أحد يستطيع الادّعاء أن وضع السلطة في لبنان طبيعي في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم، وأنه من المقبول إدارة شؤون البلاد والعباد بحكومة تصريف أعمال، منقسمة على نفسها، ويتحصّن وزراؤها خلف متاريس أحزابهم، ولا يهتمون إلا بتحقيق مصالحهم الشخصية والفئوية، التي تخدم مرجعياتهم السياسية. لكنّ هذا الغير طبيعي والغير مقبول بات هو القاعدة، وانتظام الأمور وسيرها في مسارها هو الاستثناء. أما الشغور المتمادي في رئاسة الجمهورية، فقد فضحتها أزمة داخل البيت المسيحي التي يرى البعض أنّها تعمّقت بعد اتفاق الطائف.

اعتقدوا أنّهم بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية سيستعيدون التوازنات التي لطالما اعتبروا أنّ اتفاق الطائف سلبها منهم، وأنّهم استعادوا الشراكة في السلطة وباتوا قادرين على الاستقرار، وأنّ الذهاب باتجاه بناء الدولة ومكافحة الفساد سيتحقّق حكماً. لكن تبيّن لميشال عون قبل غيره أنّه لن يستطيع فعل شيء، ووقع الانهيار في عهده، فحمّله خصومه مسؤولية 30 سنة من انهيار الدولة وفشلها معطوفة على اتّهامه بتوفير الغطاء لحزب الله وسلاحه.

وقع الطرف المسيحي، الذي منح عون الأكثرية الوازنة، في تناقض ما بين المشاركة في الفساد والعجز عن القيام بأي خطوة حقيقية باتجاه الإصلاح، والخوف من أن يكون لحزب الله مشروعه الثاني، فتسبّب ذلك في انكفاء قوة التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية الأخيرة وخسارته الشعبية التي سبق أن حظي بها في انتخابات عام 2005.

على الضفة المقابلة، يخاف حزب الله أن يندفع شريكه في ورقة التفاهم باتجاه بكركي التي صار أقرب إليها أكثر من أيّ وقت مضى، فيتّفقا على مرشّح رئاسي مشترك. والحزب بات يشكو من عناد الحليف الذي يرفض ترشيح سليمان فرنجية فيما لا يقترح ترشيحاً آخر. وعلى الرغم من الخلاف المستحكم بينهما، مازال الحزب يتمسك كما التيار الوطني باتّفاقهما ولا يريدان الخروج عنه، لكنّ هذا لا يلغي تموضع كلّ منهما داخل جبهته.

حزب الله يصرّ -حتى الآن- على سليمان فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ويأمل أن يُبقي جبران باسيل وتياره على الورقة البيضاء، بانتظار ظروف إقليمية ودولية مواتية تعبّد طريق بعبدا أمام فرنجية. أما إذا لم يعد باسيل إلى بيت الطاعة ورفض مجاراة الحزب بانتخاب فرنجية، فسيكون الأخير خياراً واقعاً بالنسبة. لكن من المرجّح عدم جرأة باسيل على مخالفة حزب الله في قرار استراتيجي ومفصلي كانتخاب رئيس للجمهورية، خاصة أنه يدرك جيداً الأضرار السياسية والانتخابية لهكذا مخالفة والتي قد تصل حدّ تهديد مستقبل جبران باسيل في الحياة السياسية.

أقلّ الشرور بالنسبة إلى حزب الله هو الاختلاف مع جبران باسيل، خاصة أنه لم يعد بحاجة كما كان في السابق إلى الحصول على المشروعية في الداخل لاسيما مع طرف مسيحي قوي. فيما الحزب حريص على إبقاء العلاقات مع جميع القوى، وخصوصاً السنّة.

لن يسعى حزب الله لكسر العلاقة مع التيار الوطني الحرب، لكنه لن يسعى لإعادة وصلها إذا قطع جبران باسيل شعرة معاوية معه. وبانتظار نضوج طبخة الرئاسة، تواصل دهشة المؤسسات الاقتصادية الدولية من عدم مبالاة السلطة للأزمة الاقتصادية التي تزداد حدة وعمقاً.

أوّاب إبراهيم