العدد 1543 /28-12-2022
أواب ابراهيم

لا جدال بأن مختلف القوى السياسية اللبنانية مأزومة بالملف الرئاسي. لكن مما لا شك فيه أيضاً أن الأزمة التي يرزح تحتها حزب الله وحلفاؤه لا تقارن بأحوال باقي القوى بعدما أدى الاستحقاق الرئاسي لفكفكة تحالفه أو على الأقل زعزعته بشكل غير مسبوق مع حليفه التيار الوطني الحر.

لا يختلف اثنان على أن العقدة الأساسية بالملف الرئاسي هي رئيس التيار جبران باسيل الذي مازال يناور ويراوغ ويضيع الوقت بانتظار رفع العقوبات الأميركية عنه وتبدّل الظروف الدولية علّها تحقق حلمه بعدما حققت حلم عمه بتعبيد طريق قصر بعبدا. فلطالما بدا باسيل، ومنذ انطلاقة المعركة الرئاسية الحالية غير متحمس لخياري رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون، ما دفع كثيرين ومن بينهم حزب الله للاعتقاد أنه قد يسير بعون لقطع الطريق على فرنجية وإغاظة الحزب لعدم دعمه كمرشح رئاسي، أو السير برئيس "المردة" في حال تمت الموافقة على دفتر شروط يجعل منه عملياً رئيس ظل لباسيل.

ولعلّ ما يرجّح فرضية توجّه باسيل لمواصلة التصعيد وكسر الجرة مع حزب الله، إصراره على إعطاء بُعد طائفي لاجتماع الحكومة الذي دعا إليه الرئيس نجيب ميقاتي خلافاً لإرادته. وما زيارته وعمّه ميشال عون إلى بكركي إلا لتثبيت هذا البُعد. كما أن باسيل يضغط باتجاه تكريس بكركي مرجعية بالملف الرئاسي في محاولة لإعادة الكرة إلى الملعب المسيحي الذي يعتبر أنها يجب أصلاً أن تنطلق منه، كما بمسعى لإنهاء أي دور لرئيس المجلس النيابي نبيه بري في هذا المجال. ومن المعلوم أن الذي أدى إلى فيضان كوب جبران باسيل وجماعته، هو قرار حزب الله السير بترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية للرئاسة. في حين أن طموح رئيس "الوطني الحر" الرئاسي مازال يتحكم بكل قراراته ومواقفه رغم إعلانه عكس ذلك. ومن الواضح أن باسيل لا يزال مقتنعاً بأن المسار الرئاسي مازال طويلاً.. وهو يطمح لأن تؤدي الأشهر لرفع أسهمه مجدداً، وهو ما يعمل لأجله في الخارج. حيث يفاوض أكثر من طرف على أكثر من ملف، ولاقتناعه بأن قوى الداخل مستعدة لأن تسير بأي تسوية خارجية تفرض عليها، كما جرت العادة.

لكن المؤكد هو أن قائد الجيش جوزيف عون متقدم على جبران باسيل بحلبة الصراع المتواصل بينهما منذ سنوات، وهو ما دفع رئيس "التيار" للخروج قبل عطلة الميلاد ليعلن صراحة أنه لا ولن يؤيد تبوؤ جوزيف عون سدة الرئاسة. فباسيل قد يكون يعارض رئاسة عون أكثر من معارضته لرئاسة سليمان فرنجية لاقتناعه بأن الأول، وفي حال توفرت ظروف داخلية وخارجية لوصوله إلى قصر بعبدا، فإنه سيأكل من "صحنه" وربما يجتذب شريحة واسعة من "العونيين"، فيما لن تؤثر رئاسة فرنجية على شعبيته وعلى جمهور التيار.

ربما لايستطيع باسيل حاليا احتكار الملف الرئاسي وفرض ارادته فيه، خاصة بعدما فقد ورقة الممثل الأول للمسيحيين التي كان يحملها رئيس الجمهورية السابق ميشال عون عام 2016، اذ بات بعد انتخابات 2022 يتقاسم ورئيس حزب القوات اللبنانية هذا التمثيل نيابياً، ما يعني انه يمكن انتخاب رئيس يوافق على السير به أحدهما، لأن ذلك سيكون كافياً لتأمين الغطاء المسيحي المطلوب. لكن كلمة حزب الله، تبقى هي المرجحة في هذا الاستحقاق، ويبدو مستحيلاً اتفاق حزب الله والقوات اللبنانية على مرشح واحد، وهذا يستفيد منه باسيل ويجعل من الصعب تجاوزه باسيل. فرغم تزعزع هياكل وثيقة تفاهم مار مخايل، لا يزال سيناريو تلاقي الحزب والتيار على مرشح رئاسي أكثر واقعية من أي سيناريو آخر.

أوّاب إبراهيم