العدد 1458 /21-4-2021

زوبعة قضائية أثيرت خلال الأيام الماضية إثر قيام مدّعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون بمداهمة أحد مكاتب الصيرفة المتهمة بتهريب دولارات إلى خارج لبنان. ككل شيء في هذا البلد، تمّ استغلال الحادثة في التجييش السياسي والطائفي، واستُخدم في الخلاف السياسي.

ما ليس مفهوماً أن يتحوّل إجراء قضائي يهدف لضبط شركة صيرفة كبرى متهمة بتهريب العملة الصعبة خارج لبنان في الوقت الذي يتعذر على المواطن اللبناني سحب دولار واحد من حسابه المصرفي، أن يغرق هذا الإجراء في البازار السياسي، رغم أنه يستهدف ملاحقة ومحاسبة ومعاقبة مؤسسة ساهمت في تجويع اللبنانيين وشحّ العملة الصعبة وارتفاع الأسعار وتعميق الأزمة النقدية.

من المعروف أن لكلّ قاض في لبنان مرجعية سياسية وطائفية هي التي اختارته في منصبه، وهذا بات عرفاً. من المعروف كذلك أن القاضية غادة عون "عونية" الهوى، مرجعيتها هي رئيس الجمهورية وتياره الوطني الحر، وقد سبق أن سُرّب لها تسجيلات صوتية تُفصح فيها عن هذا الانتماء بوضوح. ومن المعروف أيضاً أن القاضية عون هي اليد القضائية التي يبطش بها رئيس الجمهورية وفريقه السياسي خصومه، وتهميشها في التشكيلات القضائية التي أقرّها مجلس القضاء الأعلى هو أحد أبرز الأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية لتجميد هذه التشكيلات. وصحيح أن القاضية عون أهملت قضايا فساد كثيرة متورط فيها الفريق السياسي الذي تحظى بغطائه. كل هذا صحيح، لكن من المعروف كذلك أن غادة عون فتحت ملفات محظورة لم يجرؤ قضاة آخرون على الاقتراب منها، كملف الفساد في النافعة، وملف الفساد في طيران الشرق الأوسط، والفساد في كازينو لبنان، والفساد في ملف الفيول المغشوش، والفساد في ملف الانترنت غير الشرعي، والفساد في مصرف لبنان، وهي امتلكت الجرأة التي افتقدها كثيرون للادعاء على حاكم مصرف لبنان واستدعائه للمثول أمامها. كلها ملفات فساد انفردت عون بفتحها، وسيعود ضبطها ومحاسبة المسؤولين عنها بالخير والنفع على جميع اللبنانيين على اختلافهم. فهل يتم الوقوف بوجهها ورفض ما تقوم به والسعي لعرقلة عملها فقط لأنها تابعة لفريق سياسي بعينه، وهل يتم انتقادها لأنها تهمل ملفات فساد تخص التيار السياسي الذي تحظى بغطائه وتفتح ملفات الفساد الأخرى؟!. هل المطلوب من غادة عون أن تبادر بنفسها لفتح ملفات فساد الجهة السياسية التي تتبع لها؟ أين بقية القضاة الذين يتبعون لجهات سياسية أخرى، لماذا لايقومون بفتح ملفات الفساد التي تتورط فيها الجهة السياسية التي تتبع لها غادة عون، أم أن المطلوب منها أن تكون شبيهة بهم، يقفلون على أنفسهم مكاتبهم، يقضون أوقاتهم يرتشفون فنجان القهوة يمجّون من سيجار كوبي، لا أحد يعرف ماذا يفعلون.

من إيجابيات الثورة الشعبية التي بدأت في 17 تشرين أول 2019 وعمّت مختلف المناطق أن المتظاهرين الغاضبين خلعوا التبعية للطائفة والحزب والزعيم بعدما صارت همومهم مشتركة في المعاناة من غلاء المعيشة وتراجع الخدمات وحجز أموالهم في المصارف. وساد خطاب غير مسبوق بعدم ممانعة اللبنانيين بأن تبدأ حملة مكافحة الفساد ووقف السرقات والهدر من الزعيم المحسوبين عليه. هذه المعادلة التي كسرت التبعية العمياء للزعيم غابت مرة أخرى، وانفضح غيابها في الموقف من تصرفات القاضية غادة عون. فحصل اصطفاف من تصرفاتها مبني على التبعية السياسية، وتمّ إهمال ما يمكن أن تحققه في ملفات الفساد التي تفتحها، وعِوض التركيز على عملها تمّ التركيز على شكلها وشعرها وعزوبيتها وطريقتها الهستيرية في العمل، علماً أنه لو كان في لبنان ثلاثة قضاة على شاكلة غادة عون ينتمون لتيارات سياسية مختلفة لكن حال لبنان أفضل بكثير من حاله اليوم.

أوّاب إبراهيم