العدد 1517 /22-6-2022

يزدحم مطار بيروت الدولي هذه الأيام بعشرات الطائرات التي تحمل على متنها آلاف اللبنانيين المغتربين الذين قدموا من أميركا وأوروبا وأفريقيا ودول الخليج ليقضاء إجازتهم الصيفية في ربوع لبنان. ما يدركه المغتربون جيداً هو أن لبنان هذه العطلة سيكون مختلفاً بشكل كبير عن العطل السابقة. فلطالما كان لبنان يعاني من أزمات معيشية واقتصادية وحياتية واجتماعية. لكن ما يعانيه لبنان هذه المرة ليس مجرد أزمات، بل هو انهيار حقيقي ضرب أدنى مقوّمات الحد الأدنى للعيش الكريم.

هذا لايعني أن جميع المقيمين على أرض لبنان يعانون من تبعات الانهيار الاقتصادي. فقد كشفت الأيام أن شريحة لا بأس بها لم تشعر بأيّ تغيير، وبعضهم استفاد من الانهيار الحاصل، خاصة الذين تصلهم مساعدات مالية من الخارج، أو الذين يقبضون بالدولار، سواء من عملهم في مؤسسات لبنانية أم خارجية. وربما سيتفاجأ كثير من المغتربين خلال فترة الصيف أن بعض اللبنانيين المقيمين يعيشون رفاهية أكبر مما يعيشه كثير من المغتربين، الذين يجمعون "القرش عالقرش" حتى يتمكنوا من تمضية عطلة الصيف في لبنان. لكن ما يجب أن يدركه المغتربون هو أن شريحة واسعة من اللبنانيين باتوا فقراء لايملكون قوت يومهم، ولذلك عليهم التعامل مع هذا الواقع بطريقة مختلفة.

فالمقيمون لن يتحملوا من المغتربين أن يتفشخروا عليهم بالنعيم الذي يعيشونه في بلدان اغترابهم. فلا يتقبلوا سماع "عنّا بكندا في (تران) قطار"، عنّا بدبي الكهرباء ما بتنقطع"، "عنّا بنيجيريا كل شي رخيص وموجود بالأسواق"، "عنّا بباريس ما في زبالة عالطريق"، "عنّا بأميركا ما منخاف عالطريق لما نمشي بالليل".. لا أحد مهتم بما يتوفر لدى المغتربين في بلدان اغترابهم، فهموم اللبنانيين تكفيهم وتفيض. هم منشغلون بموعد تشغيل مولد الكهرباء، وسعر صفيحة البنزين، وتوفّر ربطة خبز في الأفران، والمبلغ الذي يسمح المصرف بسحبه شهرياً وسعر صرف الدولار، والكثير من الأساسيات التي لايتكبّد المغترب عناء التفكير بها.

آمال عريضة تعقدها السلطة في لبنان، والقطاعات السياحية على "الفريش دولار" الذي سيصرفه المغتربون خلال عطلة الصيف. ليس شرطاً بالمغترب أن يكون ثرياً، يكفي أن يكون "على قدّ حاله"، وحمل معه عملة صعبة من بلد اغترابه تكفي عائلته الصغيرة. فليس منتظراً من المغتربين أن يرشّوا أموالهم، كل ما هو مطلوب منهم، أن يقضوا أيام عطلتهم ويصرفوا مما يحملونه، كما يصرفون عادة في بلدان اغترابهم.

ليس هذا فحسب، فالمأمول من المغتربين هو أن يُسعدوا أنفسهم ويُسعدوا معهم الآخرين. إذا أرادوا تناول الغداء في مطعم، فليصطحبوا معهم قريب. وإذا أرادوا ارتشاف قهوة في مقهى، فليصحبوا معهم صديق. وإذا أرادوا التوجّه لمسبح أو الذهاب في رحلة، فليحرصوا على أن يكون معهم أحد.

المأمول من المغتربين إذا طلبوا "ديليفري" أن يتركوا "بقشيش" حرزان لمن يقوم بالتوصيل. ولا يتكلوا على الراتب الزهيد الذي يتقاضاه موظف التوصيل من صاحب المطعم أو الشركة التي يعمل بها. وليكن احتساب "البقشيش" على قيمة ما يدفعه المغترب في بلد اغترابه، وليس بقيمة الليرة اللبنانية المنهارة.

المأمول من المغترب أن يتحمّل حنق وضيق وغضب وانفعال المقيمين في لبنان، الذين يتعرضون كل يوم لخيبة أمل كلما انقطع التيار الكهربائي، وكسراً للخاطر كلما ارتفع سعر صفيحة البنزين، ويأساً وإحباطاً كلما تعذر شراء دواء من الصيدلية.

ليس مطلوباً من المغترب أن يكون لقمة سائغة للنصب والاحتيال، لكن في المقابل، ليس مأمولاً أن يفاصل البائع والتاجر والخضرجي والفرّان والناطور على الليرة والألف والألفين. فليوسع على الخلق مما أوسع الله عليه.

أوّاب إبراهيم