العدد 1542 /21-12-2022
أواب ابراهيم

استحقاق هام أنجزه المسلمون السنّة في لبنان قبل أيام، مرّ بصمت ودون ضجيج ودون إيلائه الاهتمام الذي يستحقه، ربما لانشغال الكثير من اللبنانيين بمنافسات كأس العالم لكرة القدم.

فبعد تعطيل دام أربعين عاماً، أجريت انتخابات المفتين في ست مناطق، في عملية ديمقراطية هادئة، شهدت تنافساً حاداً في بعض المناطق، فيما كانت المنافسة محسومة في مناطق أخرى. انتهت عملية الاقتراع، وبعد فرز الأصوات وإعلان النتائج، عانق الخاسر الرابح وأخذ معه صورة ضاحكة.

استحقاق بديهي بسيط ديمقراطي يعيد الحيوية وروح الشباب إلى المؤسسات الدينية للطائفة، لكن من كانوا ينصّبون أنفسهم أوصياء على شؤون المسلمين رفضوا طوال أربعين عاماً إجراءه بذرائع ومبررات واهية. وكان يتم تعيين مفتين للمناطق بالوكالة وتمديد هذه الوكالة سنوات وعقود لتجنّب تنظيم انتخابات، استغرق إجراؤها وفرز أصواتها وإعلان نتائجها ساعات قليلة. فيما كان الهدف الحقيق هو تطويع المكلفين وسلبهم سلطاتهم وصلاحياتهم والاستمرار بالتحكم بكلّ ما يتعلّق بالطائفة.

الصورة الزاهية الديمقراطية المشرقة التي قدّمها المعنيون بانتخابات مفتي المناطق ليست جديدة، لكنها نتيجة طبيعية لتركهم وشأنهم ورفع اليد والتدخل والتأثير السلبي الذي كان يمارسه البعض عليهم داخل الطائفة. وقد أثبت المسلمون أنهم بدون تدخلات سياسية داخلية وخارجية "متل السمن عالعسل"، وأنهم قادرون على إدارة شؤونهم بأنفسهم، وتجديد دمائهم، وتنظيم عملية انتخاب تُرفع لها القبعة. وفي هذا الإطار لابدّ من توجيه الشكر لسماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لإصراره على إجراء الانتخابات، وعدم استجابته للكثير من الضغوطات والتدخلات التي حاول البعض ممارستها عليه، لتأجيلها.

اليوم بات للمسلمين في لبنان مفتون أصيلون، بعضهم في عمر الشباب يتمتع بالحيوية والنشاط، وآخرون يملكون من التقى والصلاح والدماثة ما يشهد عليه الجميع. لذلك من الطبيعي أن يأمل المسلمون في لبنان من المفتين الجدد المنتخبين أداء جديداً يعكس شبابهم ونشاطهم وصلاحهم وتوافقهم. فالمطلوب من المفتين الجدد أن يمارسوا خلق الإسلام الذي لطالما عهدهم الناس عليه، بأن يجمعوا ولا يفرّقوا، وأن يحتضنوا ويتواصلوا مع الجميع، أياً كانت الخلافات والاختلافات سواء كانت فقهية أو سياسية أو مناطقية أو عائلية. المأمول منهم إدراك الصلاحيات الممنوحة لهم، وممارستها على أكمل وجه، والسعي مع الجهات المعنية لتوسيع هذه الصلاحيات بما يساهم في تحسين ظروف مؤسسات دار الفتوى والأوقاف الإسلامية والمسلمين عامة. المطلوب من المفتين الجدد أن يسعوا لتأمين ميزانيات مالية بتصرفهم، تمكّنهم من التحرك والأداء، ويخففون من حدّة الأزمة الاقتصادية على اللبنانيين من حولهم. هذه الميزانيات لا ينبغي أن تُنتظر من دار الفتوى أو من خزينة الدولة، بل يجب أن يكون مصدرها الأساسي أثرياء المسلمين (وما أكثرهم). وفي هذا الإطار، المطلوب من المفتين الجدد على وجه السرعة، أن يعملوا على تحسين رواتب العلماء من أئمة المساجد ومساعديهم والموظفين الذين يعملون في المؤسسات التابعة لهم، بعدما انهارت قيمة رواتبهم. المنتظر من المفتين الجدد الحرص على عقارات الأوقاف الإسلامية وعدم التفريط فيها، ورفع الصوت لاسترداد العقارات التي تمّ الاستيلاء عليها في الكثير من المناطق.

المأمول من المفتين الجدد، وبعد أن رُفعت الوصاية عن الطائفة السنّية، أن يعملوا على تعديل القانون الخاص بالهيئة الناخبة للمجلس الشرعي والمفتين. فلا يُعقل أن يكون أعضاء المجالس البلدية والقضاة المدنيون وأعضاء مجالس إدارية ضمن الهيئة الناخبة، ويتمّ استثناء العلماء والأئمة من الانتخاب.

ربما لايجب المبالغة في التفاؤل بعد انتخاب المفتين في المناطق وإعطائها أبعاداً أكبر من حجمها، لكنها حتماً خطوة في الاتجاه الصحيح، يأمل المسلمون في لبنان أن تتبعها خطوات أخرى، تعيد الطائفة لمكانتها الرائدة بين بقية الطوائف اللبنانية.

أوّاب إبراهيم