العدد 1544 /4-1-2023
أواب ابراهيم

لم يعد هناك شكّ في أنّ عنوان المرحلة في لبنان هو الترقيع و"التلزيق" سواء بانعقاد مجلس الوزراء مجدّداً أو من دونه في ظل استمرار شغور قصر بعبدا دون بذل أي جهد حقيقي لتغيير هذا الواقع. هو مسلسل من شدّ الحبال ورفع السقوف في السياسة ومزيد من الفوضى المالية والاقتصادية التي تنبئ بأنّ الأسوأ لم يحصل بعد.

فعليّاً، لم يعد الأمر مرتبطاً بمضمون "البنود الملحّة" التي يمكن أن ينعقد مجلس الوزراء لأجلها ولا الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية بقدر ارتباطه بالفرز السياسي الحادّ الذي يؤسّس له الشغور الرئاسي و"الإدارة" الملتبسة وغير المسبوقة في تاريخ لبنان لمرحلة تصريف الأعمال.

أزمة ضمن مسار طويل من الأزمات. فطوال أكثر من قرن كامل، كانت عوامل الأزمات كثيرة متشعّبة: أطماع خارجٍ متعدّد، نشوء كيان غاصب محاذٍ معادٍ، عجز داخلي عن مواءمة تركيبة الدولة مع طبيعة المجتمع

وقد لا ينتهي تعداد أسباب الصراعات الدورية الموسمية.

هناك هذا النداء المتصاعد من الجنبات من أجل التوافق. لكنّ مرشّح التوافق ليس من الأولويّات لدى القوى اللبنانية على الضفتين المتقابلتين. ورئيس مجلس النواب نبيه برّي يدعو الجميع إلى الحوار من أجل التوافق. وقد يكون الرجل مخطئاً، لكنّه يستحقُّ التجربة. فما دام الأفق مسدوداً فالمحاولة تستحقّ.

وفي ظل هيمنة الورقة البيضاء على عملية انتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب من الملفت رفض الحوار الذي بما يكون وسيلة "لتزييت" المواقف وحلحلتها.

منذ 2019 يتصرّف النظام اللبنانيّ، في مجموعه، مستنداً إلى درجة هائلة من الثقة بأنّ شيئاً لن يتغيّر. فهو، رغم حجم الكارثة، لا يقدّم أيّ تنازل مهما كان التنازل شكليّاً، وفي أيّ من المجالات السياسيّة والاقتصاديّة، معتبراً أنّ التحدّي الذي واجهه به الحراك الشعبي في 17 تشرين لا يعدو كونه سحابة صيف. يقال هذا وفي البال ما هو أكثر من هزيمة الثورة: فتسيير البلاد لم يمضِ على حاله فحسب، بل استمرّ في طريق من التردّي المتعاظم الذي يصعب التكهّن بنهاياته.

أمّا حين ندخل في تفاصيل العمل الشعبيّ، فنجد أنّ تقديرات النظام مصيبة ودقيقة: فالاستنهاض الجماهيريّ، الذي عبّر حراك 17 تشرين صار أشبه بالمستحيل. ومن جهة أخرى، فإنّ القيمة السياسية التي مثّلتها كتلة النوّاب "التغييريّين" لم يبقَ منها الكثير، في حين لا تقلّ الآمال التي تبخّرت عن عجز الكتلة النيابيّة المتواضعة نفسها عن البقاء كتلةً واحدة.

وطالما أن الفراغ الرئاسي لم يعد مشكلة، ويمكن للبلد أن "ينشل" نفسه من أزماته من دون رئيس، تحول الفراغ الرئاسي، إلى تقليد أو عرف شائع، وقد يتحول الى محطة انتقالية إلزامية بين رئيسين، أو هدنة ضرورية تمثل فترة استراحة طبيعية من رئيس، يفرضها الاستعداد لاستقبال رئيس جديد، يكون في العادة نقيض سلفه، والمكلف بمحوه من الذاكرة، وشطب إرثه من السجلات الرسمية.

أواب إبراهيم