العدد 1532 /12-10-2022


عملياً، أصبح اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل" منجزاً، وهو يرتبط ببعض الصياغات وباختيار التوقيت المناسب للتوجه إلى منطقة الناقورة، وإعداد المراسيم اللازمة، بالإضافة إلى البحث عن المستوى التمثيلي للبنان، ونوعية الوفد الذي سيوقع المرسوم في الناقورة، وإذا ما كان سيمثل لبنان وفد تقني عسكري فقط، أم يضم عسكريين ومدنيين. بعدها ستعمل الحكومة اللبنانية على إعداد المرسوم المتعلق بالاتفاق يوقع عليه رئيسا الجمهورية والحكومة والوزراء المعنيون لإيداعه لدى الأمم المتحدة.

لم يعد الخلاف على الاتفاق، فهو قد تمَّ بالفعل، وإن كان الأمين العام لحزب الله قد دعا في كلمته الأخيرة للتريث حتى يتم توقيعه وتنفيذه، لكن جميع المعطيات تفيد بأن الأمور أصبحت منتهية، وتبقى العبرة بالتنفيذ.

المستغرب هو سرعة إنجاز اتفاق "تاريخي" مع دولة تعتبرها الدولة اللبنانية "عدوة". ويذكر اللبنانيون المخاض الطويل والعسير الذي سلكه لبنان مع "إسرائيل" بعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، وما تلاه من خلاف حول ترسيم الحدود البرية. والخلافات في بعض الأحيان كانت تحصل حول أمتار قليلة. ورغم مرور أكثر من عقدين من الزمن على الانسحاب الإسرائيلي، مازال الخلاف حول الحدود البرية قائماً حول منطقتي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وكانت كل من السلطة اللبنانية ومعها حزب الله من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى يتعنّتون ويتخاصمون من أجل تلّة أو متر مربع. في حين أن الاتفاق حول الحدود البحرية المتداخلة، تمّ بصمت ودون عناد، وتساهل ويسر.

القراءة الأولية هي أن أهم سبب ساهم في سرعة الوصول للاتفاق كان استعجال الأطراف الثلاثة المرتبطة بالاتفاق للتوصل إليه، كل لاعتبارات خاصة به. على الضفة اللبنانية حزب الله يدرك أنّ عدم الوصول إلى اتفاق سيُضطرّه إلى القيام بما هدد به مع بدء الحفر في حقل كاريش، وهذا سيدفع لنشوب نزاع يخشاه ويتجنبه الجميع. ورئيس الجمهورية مستعجل كذلك لأنّه يريد أن يسجّل نصراً في عهده ولصهره قبل انتهاء مدّته آخر هذا الشهر. على الضفة الإسرائيلية رئيس حكومة الاحتلال مستعجل لإنجاز الاتفاق لتحقيق نصر يقدمه لناخبيه قبيل انتخابات الكنيست المقبلة التي يخوض فيها منافسة حامية مع بنيامين نتنياهو. ولعلّ الأكثر اهتماماً واستعجالاً كان وما يزال الطرف الأميركي. إذ هو يريد أن تنجح وساطته، ويريد نفطاً وغازاً ولو بعد عشر سنوات، ولا يريد نزاعاً مسلّحاً وسط الاضطراب الإقليمي والدولي. والإدارة الأميركية ترغب باستثمار الاتفاق في الانتخابات النصفية المقبلة. وقد استغلّ الجانب الأميركي هذا الاستعجال من جميع الأطراف، فانصرف الوسيط الأميركي إلى التواصل مع الطرفين اللبناني والإٍسرائيلي، وأثنى على كليهما لصبرهما ودأَبهما وتعقُّلهما.

في المحصّلة تخلّى لبنان عن الخط 29، وتعهّد بضمانات أمنيّة لإسرائيل، ووافق ضمناً على الحدود البحرية الإسرائيلية التي قرّرها العدوّ الإسرائيلي من طرف واحد عام 2000 عبر ما يُسمّى "خطّ العوّامات". الأنكى أنّ لبنان سيحصل على حقل قانا الوهميّ الذي من غير المعروف ما إذا كان يحمل غازاً أم لا، في مقابل حقل كاريش الفعليّ، والجاهز لاستخراج الغاز وتخزينه وضخّه وإيصاله إلى الأسواق.

ما يخشاه اللبنانيون، أن تكون ثروات الغاز التي قد يحملها حقل قانا وبالاً عليهم، ذاك أنه سيطيل من عمر الطبقة السياسية، وسيمثل وقوداً لماكينات النهب في ظل نظام طائفي، هو لوحده كفيل بتبديد الغاز على نحو ما بدد الودائع وغيرها.

أوّاب إبراهيم