العدد 1486 /10-11-2021

يُسجل لحزب الله أنه رغم فائض القوة الذي يملكه، فإنه مازال يتمسك بدولة القانون، ويحرص في كل مناسبة يُعتدى عليه على التحلّي بضبط النفس، ويترك للقضاء والأجهزة الأمنية القيام بواجبهم في ملاحقة المعتدين وتوقيفهم ومحاسبتهم. هذا ما فعله في أحداث خلدة قبل أشهر، وهو ما فعله في أحداث الطيونة قبل أيام. فرغم قدرته على الانتقام لما تعرض له، إلا إنه التزم الصبر وترك للأجهزة المعنية القيام بواجبها.

هو أداء يستحق كل احترام وتقدير في حال كان نهجاً ثابتاً وغير انتقائي، لكن الاستنسابية بهذا الأداء واختيار ما يناسبه ورفض مالا يناسبه فلا يستحق ذلك، بل يستحق متابعة وتشهيراً.

على سبيل المثال لا الحصر، قبل 9 سنوات، شهدت منطقة التعمير المتاخمة لمخيم عين الحلوة أحداثاً شبيهة بـ ما شهدته منطقة خلدة قبل أشهر، ومع ما شهدته منطقة الطيونة قبل أسابيع. يوم 11 تشرين الثاني 2012 توجّهت تظاهرة سلمية إلى منطقة التعمير لنزع لافتات وشعارات حزبية وطائفية قيل إنها مستفزة ومسيئة لأبناء المنطقة. لم تكد التظاهرة تقترب من المكان حتى انهالت على المشاركين فيها زخّات الرصاص تسببت بمقتل ثلاثة أشخاص، اثنان من المشاركين في المسيرة، وطفل من الجنسية المصرية صودف وجوده في المكان بالإضافة لجرح آخرين. القضاء الذي ترك له حزب الله القيام بواجبه في أحداث الطيونة وخلدة، لم يقم بواجبه حينها، واكتفى بإصدار مذكرات بحث وتحر شكلية بحق عدد من المشتبه بهم، المعروفون بالأسماء والأشكال وجهة الانتماء وأماكن السكن، لينام بعدها الملف في أدراج القضاء، فيما يسرح الجناة أمام أعين ذوي الضحايا.

مثال آخر، عام 2008 بينما كانت طوافة عسكرية تابعة للجيش اللبناني تقوم بواجبها في مراقبة الحدود تعرضت لإطلاق نار من موقع تابع لحزب الله تسبب بمقتل الطيار وجرح مرافقه. رفض الحزب تسليم من أطلق النار طيلة أشهر، ليبعث بعدها بشخص قال إنه من أطلق النار، فحُكم عليه بالسجن لأشهر قليلة.

حادثة أخرى مسرحها هذه المرة السفارة الإيرانية في بيروت. عام 2013 تظاهر العشرات أمام السفارة في منطقة بئر حسن احتجاجاً على مساندة طهران النظام السوري في قتل شعبه. جوبهت التظاهرة بعشرات الشبان الذين يحملون العصي والهراوات الذين اعتدوا على المتظاهرين، مما أدى لمقتل أحدهم وجرح عشرات آخرين. مرة أخرى الجناة المُعتدون معروفون بالأسماء والأشكال وجهة الانتماء، لكن لم يجرؤ القضاء على توقيفهم.

في أيار 2008، اقتحم مئات المسلحين المنتمين لحزب الله وحلفائه مدينة بيروت، فقتلوا واعتدوا وأحرقوا أمام أعين القوى الأمنية. وظهرت صورهم في وسائل الإعلام، ومن بينهم أفراد في قوى أمنية رسمية. انتهت الأحداث ولم تحرك الأجهزة الأمنية ساكناً، ولم يتحرك القضاء لتوقيف مسلح واحد شارك في الاعتداء على الناس. وغني عن التذكير بأن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي تساهم الحكومة اللبنانية بأكثر من نصف ميزانيتها بموافقة وزراء حزب الله، خلصت لاتهام عناصر من حزب الله بالمسؤولية عن جريمة الاغتيال. لكن حزب الله رفض تسليم المتهمين، كما لم تحاول الأجهزة الأمنية البحث عنهم.

إذاً القضاء الذي يحرص عليه حزب الله ويتمسك به ويطالب الآخرين بالاحتكام إليه، هو الخاضع له، الذي ينفذ ما يريد ويمتنع عما يريد. القضاء الذي يعتقل العشرات من أبناء منطقة عين الرمانة للاشتباه بهم، فيما يغض الطرف عن مئات المسلحين الذين ظهرت صورهم في وسائل الإعلام وهم يطلقون النار على عين الرمانة. القضاء الذي يريده حزب الله، هو الذي يعتقل العشرات من أبناء منطقة خلدة ويطلب لهم أحكاماً مشددة، أما الذي قتل أحد أطفال منطقة خلدة قبل الأحداث بعام فبقي حراً طليقاً يحضر الأفراح والأعراس، لم يعرف القضاء له طريقاً، حتى وجد الثأر طريقه إليه.

هذا هو القضاء المنشود بالنسبة لحزب الله، أما القضاء الذي يخرج عن ذلك ويتصرف وفق قناعاته كما يفعل القاضي طارق البيطار في ملف انفجار مرفأ بيروت، فيكون قضاء مسيّساً استنسابياً عميلاً ينفذ أجندات أجنبية، ويجب كفّ يده و"قبعه" من مكانه.

أوّاب إبراهيم