العدد 1482 /13-10-2021

غريبة حدّ الريبة هذه الهجمة الشرسة التي يقودها حزب الله على قاضي التحقيق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار. أمين عام حزب الله أفرد ثلث كلمته الأخيرة المتلفزة للهجوم على بيطار والتشكيك بنزاهته واتهامه بالتسييس. فالسيد حسن نصر الله اتهم المحقق العدلي بأنه "يوظّف دماء الشهداء ‏في خدمة أهداف سياسية"، محذراً بأن لبنان مقبل على "كارثة"، إذا أكمل القاضي تحقيقاته بهذه ‏الطريقة. وقال نصرالله حرفياً "نحن نعتبر أن ما يحصل هو خطأ كبير جداً جداً ‏جداً جداً جداً جداً جداً جداً جداً جداً حتى ينقطع النفس"، طبعاً لا داع للإشارة إلى دلالة تكرار "جداً" عشر مرات.

"حزب الله" تابع انقضاضه على القاضي بيطار في مقدمة قناة المنار التابعة له، التي خاطبت "المتربصين الخارجيين وأدواتهم الداخلية، لقد دمّرتم السياسة والاقتصاد، فماذا سيكون عليه الحال ان أكملتم بتدمير البلد والمتاجرة بدماء الشهداء؟". ليُستكمل الانقضاض على بيطار في جلسة مجلس الوزراء، حيث ضرب "الثنائي الشيعي" يده على الطاولة مطالباً بـ"قبع" المحقق العدلي وكفّ يده عن متابعة التحقيقات، وحسب مواقع إلكترونية فإن أحد وزراء هذا الثنائي وصف بيطار خلال الجلسة بـ "العميل". رئيس الجمهورية "القوي" وإزاء التدخل السافر والوقح في عمل القضاء، كل ما استطاع فعله هو تأجيل البحث لجلسة لاحقة، علماً أنه لا سلطة لمجلس الوزراء ولا لرئيس الجمهورية على المحقق العدلي، ولا يملكون كفّ يده عن التحقيقات. كل ما سبق كان تلا التهديد الشفوي الذي بعثه أحد مسؤولي الحزب للقاضي بيطار والذي حسب ما يبدو لم يفضِ إلى نتيجة.

عود على بدء، ملفت حدّ الريبة هذا الاستنفار والهيجان الذي يبدو عليه حزب الله تجاه المحقق العدلي، فمن غير المنطقي أن يكون مصدر كل هذه النقمة والهجوم فقط أن الإجراءات التي يقوم بها القاضي والاتهامات التي يسوقها تدعو للارتياب، هناك قطبة مخفية مؤكدة بأن هناك ما هو غير معلن، وهو السبب الحقيقي وراء أداء الحزب الأخير. فلطالما كان حزب الله من رافعي لواء الثقة بالقضاء والقضاة وعدم التدخل في شؤونه، لكن يبدو أن هذه الثقة لم يعد لها مكان من الإعراب في ملف تحقيقات المرفأ، وبات المحقق العدلي مسيّس يسعى للفتنة ويقود لبنان نحو كارثة.

ما يزيد في الريبة والاستغراب، أنه في مرات سابقة كان للحزب انتقادات لأداء قضاة أو أحكام قضائية، لكنه كان يكتفي ببيان أو تصريح ونقطة على السطر. ربما كان أبرز هذه المحطات الحكم القضائي الصادر عن المحكمة العسكرية (المحسوبة على حزب الله) ببراءة عامر الفاخوري أحد أهم عملاء العدو الإسرائيلي المتهم بقتل عدد من اللبنانيين في سجن الخيام، وهو خرج من المحكمة وتوجه إلى السفارة الأميركية في عوكر وغادر بطائرة مروحية على رؤوس الأشهاد دون أي اعتراض. حزب الله اكتفى بانتقاد الخطوة في الإعلام دون أن يبادر لأي خطوة إضافية. فرغم ارتباط الحكم القضائي بدماء شهداء لبنانيين، اكتفى الحزب ببيان مكتوب، لم يأتِ على ذكر القاضي الذي أصدر الحكم، ولم يطالب بـ "قبعه"، ولا بمحاسبته ولم يتظاهر أمام منزله، فلمَ كل هذه الضجة اليوم حول قاض كل ما فعله هو استدعاءات للأشخاص يعتبر أنهم معنيون بالملف الذي بين يديه؟!.

قبل تعيينه محققاً عدلياً لم يكن اسم القاضي طارق البيطار معروفاً لدى اللبنانيين، وحين تمّ ترشيحه ليكون محققاً قيل حينها أنه من أنزه القضاة وأن لا انتماء سياسياً له. وان كان له انتماء سياسي فالمنطق يقول أنه سيكون إلى جانب حلفاء حزب الله. فاختياره تمّ بناء على اقتراح وزير العدل (من حصة رئيس الجمهورية حليف حزب الله) وبموافقة مجلس الوزراء الذي كان يهيمن على قراره الحزب وحلفاؤه، فكيف تحوّل القاضي النزيه الحيادي المستقل خلال أشهر إلى عميل يعمل وفق أجندات سياسية؟! وإذا كان هذا الاتهام صحيحاً فهل يملك حزب الله وجمهوره ومناصروه ووسائل إعلامه وذبابه الإلكتروني الجرأة للإفصاح عن هذه الأجندة ولمصلحة من؟. الأيام القادمة كفيلة بحلّ هذا اللغز.

أوّاب إبراهيم