العدد 1536 /9-11-2022
أواب ابراهيم

دخل لبنان مرحلة جديدة، وسط شغور رئاسي وأزمة سياسية تُرجمت بالفشل في تشكيل الحكومة والتوافق على رئيس، لتتّسع الهوة في الجمهورية ويحتدم الصراع بين حاملي راية اتفاق الطائف. تأتى ذكرى توقيع الاتفاق الذي صدّق عليه البرلمان اللبناني في 5 تشرين الثاني 1989، في خضم أزمة سياسية يعيشها لبنان انعكست في عدم التوصل إلى انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، ودخول لبنان في فراغ يبدو أن الخروج منه مجهولاً، في ظل لعبة الصراع على الكراسي التي فشلت في أن تبصر الحكومة النور أيضاً، في وقت لبنان بأمس الحاجة فيه إلى قيادة تُنقذ البلاد من الغرق.

في ظل وضعية اشتباك داخلي وصِدام إقليمي محتدم، ووسط عدم وضوح الرؤية والقراءة للمتغيرات الإقليمية والدولية وارتداداتها، يبدو الحديث عن الإطاحة بالطائف نوعاً من ضروب المغامرات الخاسرة التي لا يقدِم عليها حزب الله ولا تستهويه. وهو يدرك جيداً أن خطوة بهذا الحجم لا تتم في سياق ظرف سياسي واقتصادي كالذي يمُر به البلد من انهيار نقدي ومالي. لذا فإن الطائف، على علّاته، أفضل بكثير من المخاطرة بتعديله مهما بلغت حظوظ "الشيعية السياسية" في أي طائف جديد.

في ظل هذه الأزمات والأجواء، اكتسب اللقاء في الذكرى الثالثة والثلاثين لإبرام اتفاق الطائف أهمية لافتة الذي دعا إليه السفير السعودي في بيروت، وأعاد استحضار الدور السعودي في لبنان واهتمام الرياض بالوضع اللبناني بعد انكفاء. وشارك في هذا اللقاء معظم القوى السياسية باستثناء حزب الله وهو انعقد بعد أسابيع قليلة على توجيه دعوة سويسريةٍ لممثلي قيادات لبنانية إلى الحوار لم يُكتب لها النجاح.

بقي الاحتفال أو المؤتمر في عداد المناسبة التذكارية، على طريقة احتفالات العرب بأيامهم الوطنية أو ما شاكل، أو على طريقة احتفاء لبنان بعيد الاستقلال كل عام، بلا أي مندرجات عملانية. أما المسألة الأهم، فإن الحشد الذي توفر في هذا المؤتمر يعني انتزاع اعترافات من جميع من حضر بالموافقة على الطائف. ولكن ما لا يجب الارتكاس إليه أيضاً هو جعل هذا الاتفاق كأنه مستهدف، وأن هناك من يسعى دوماً للدفاع عنه والحفاظ عليه.

عملياً، يؤمّن اتفاق الطائف متطلبات القوى ذات الاتجاهات المتعددة في لبنان، بما يتعلق في الرؤية حول مستقبل لبنان أو النظام السياسي فيه. لا سيما أن في الاتفاق ثلاثة مسلمات أساسية يمكن الانطلاق منها. أولها تعزيز منطق الدولة وتغذية مؤسساتها بدلاً من السلطات البديلة أو الموازية لها. ثانياً، إلغاء الطائفية السياسية مع تشكيل مجلس للشيوخ، وثالثاً والأهم تعزيز اللامركزية الإدارية الموسعة.

هذا لايعني أن اتفاق الطائف خال من العيوب. فبعد كل أزمات الحكم التي حصلت في لبنان، وبعد كل التعطيل الذي أدخل لبنان في أزمات مستعصية على الحل بدون تدخل خارجي، فإنّ وضع "دستور الطائف" بمنزلة الدستور المنزّل غير القابل للتطوير أو للتعديل، لا يبدو منطقياً. ولعلّ رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي نجح بتلخيص الموقف من "اتفاق الطائف"، حين اعتبر أنه الاتفاق لا يزال هو الأصلح للبنان.

أوّاب إبراهيم