العدد 1549 /8-2-2023
أواب ابراهيم

قبل أيام كان المرء يعتقد أن الوضع سيّء، والمعاناة كبيرة، والأوضاع لا تحتمل. اليوم بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، وسقوط آلاف الضحايا وعشرات آلاف المصابين وتشريد الملايين صار الوضع السابق مقبولاً، والوضع الحالي هو الأسوأ.

قبل أيام أعدّت بعض وسائل الإعلام تقارير ورسائل مباشرة حول المعاناة التي عاشها النازحون السوريون خلال المنخفض الجوي الذي ضرب المنطقة. العبارة التي تكررت على لسان معظم النازحين، أن الوضع لايُحتمل، وأن أسوأ من الظروف التي يمرون بها لن يكون، يعيشون بين الثلوج التي اقتحمت خيامهم، يبحثون عن مواد للتدفئة فلا يجدون، عناية طبية غائبة، مواد غذائية شحيحة. اليوم لو سئل النازحون السوريون عن أوضاعهم بعد الزلزال، لترحّموا على حالهم قبل وقوعه. صحيح معاناتهم قبل الزلزال كبيرة، لكنهم كانوا على قيد الحياة، البرد شديد لكنهم يتنفسون، منازلهم وخيامهم دخلتها السيول، لكن كان لديهم سقف يحتمون به، يفتقدون أحباؤهم البعيدين عنهم، لكنهم ليسوا تحت الأنقاض يلفظون أنفاسهم.

ظرف مشابه مرّ بلبنان مع فارق كبير بحجم المعاناة. قبل سنوات لو سئل أي لبناني عن الأوضاع والأشغال والخدمات، لشكى ونعى الأوضاع السيئة التي يعاني منها، وانقطاع التيار الكهربائي المستمر، وتراكم النفايات في الشوارع، وعدم كفاية الرواتب. بعدها بدأ الانهيار الاقتصادي، فأدرك اللبناني أن الحياة التي كان يعيشها سابقاً كانت نعيماً، وأن المعاناة الحقيقية هي بالانهيار الاقتصادي. ثم وقع بعد الانهيار انفجار مرفأ بيروت، ووفاة المئات وتشريد الآلاف وتدمير آلاف المنازل، فترحّم اللبناني على الوضع في ظل الانهيار لكن قبل حصول الانفجار.

الكوارث والنكبات والمصائب تقدير من الله، لكنها بالنسبة لعباده مناسبة كي يستشعروا النعم الكثيرة التي تحيط بهم قبل أن يفقدوها، فلا ينكرونها ويجحدوا بها حين تكون متوفرة، وليشكروا الله عليها، ولا يقولنّ إن الوضع لن يكون أسوأ من ذلك، فحين تحصل كارثة أو مصيبة سيترحّمون على حالهم قبلها.

إلى جانب استشعار نعم الله، الكوارث والنوازل مناسبة كي يتذكر المرء ضآلته وضعفه على هذه الأرض، وأنه مهما بلغ به العتوّ والكِبر والسلطة والزهوّ، سترتعد فرائصه من هزة أرضية تستمر ثوان، وسيستذكر خلالها كل ما حفظه من أدعية مأثورة وسور من القرآن. مناسبة كي يتذكر المرء أن الموت حقّ، وأن ميعاده لايرتبط بعمر أو مرض أو حرب، ما يحدده فقط هو تقدير الله.

بالإضافة لحمد الله على نعمه والعودة إليه، من المهم كذلك أن يعي المرء حقيقة أن حصول الكوارث الطبيعية، ليس له أي إسقاط أو تفسير ديني، وهو مرتبط بأسباب علمية أدّت لحصول هذه الكوارث. بالطبع هي تقديرات الله، لكن هذه التقديرات أدّت لأسباب كانت نتيجتها حصول الزلزال أو الفيضان أو البركان أو غيرها من الظواهر الطبيعية. فربّ العباد لا يعاقب أحداً من هذه الظواهر. نعم وقوع النوازل فرصة للمسلمين كي يتّعظوا ويتقرّبوا من الله، لكن من وقع بهم الزلزال وماتوا وتشرّدوا لايتعرضون لعقاب الله على أمر اقترفوه.

خطورة خلط المفاهيم الدينية بالظواهر العلمية الطبيعية، تكمن في أنها قد تزعزع الإيمان والاعتقاد وقد تودي بصاحبها للضياع. فهل كان ينقص النازحين السوريين مثلاً عقاباً كالزلزال الذي تعرضوا له، في حين أنهم سبق أن تعرضوا للقتل والاعتقال والتشريد على يد النظام السوري، ألا يكون عقابهم ظلماً. أليس الأولى إنزال الكوارث والزلازل والعقاب بغير المسلمين؟!. هل الشعب التركي المسلم يستحق العقاب حتى حصد منه الزلزال آلاف الأرواح وشرد الملايين. لماذا لم ينزل الزلزال بالسويد التي تهين المقدسات الإسلامية، أو بالهند التي تضيّق على المسلمين، أو بالاحتلال الإسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين كل يوم؟!.

أوّاب إبراهيم