العدد 1545 /11-1-2023
أواب ابراهيم

في ظلّ الغموض الرئاسي الكامل الذي يزيده حدّةً غياب أيّة مبادرة خارجية جدّيّة وشاملة، باتت كلّ السيناريوهات موضوعة على الطاولة، ومن بينها احتمال أن يخوض رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل معركة رئاسة الجمهورية منفرداً، عبر طرح نفسه مرشّحاً رئاسياً، في معرض فرض ذاته على حليفه الأول حزب الله، وخصوصاً مع إصراره على رفض خيار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو قائد الجيش جوزف عون، أو أيّ مرشح آخر من خارج الأسماء التي قد يقبل بها ويراها مطابقة للمواصفات التي يراها مناسبة.

لكن ذلك لا يؤشر إلى تحقيق نتائج جدية، لا في الانتخابات الرئاسية ولا في المقاربات المالية والاقتصادية. ومن هذه الموضوعات التفصيلية، تبقى العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ في الصدارة، مقابل بحث القوى الأخرى المعارضة للحزب عن مشروع أو خطة سياسية جديدة لمقاربة الاستحقاق الرئاسي.

بناء عليه، صار الواقع كالتالي: معسكر جبران باسيل وحليفه حزب الله، كرس الأوراق البيضاء واقع التشرذم بين أعضائه لناحية العجز عن التوافق على اسم مرشّح محدّد، وانتهى الأمر بخلاف غير مسبوق بين التيار الوطني الحر وحزب الله، ظاهره حكوميّ وأساسه مرتبط بالتباعد في الحسابات الرئاسية. في المقابل، خسرت القوات اللبنانية ومعها الحزب التقدمي الاشتراكي معركة مرشّحهما النائب ميشال معوّض الذي لم يتمكّن من منافسة كتلة الأوراق البيض بعدما تناقص عدد مؤيّديه، والاستعداد في الكواليس للبحث عن اسم آخر أكثر قابلية للتسويق والتفاوض عليه. على الضفة الثالثة، يظهر انقسام فاضح لدى نواب "قوى التغيير" حوّلهم إلى متاريس تبارزت بالأسماء والترشيحات ووصلت إلى حدّ التخوين المتبادل.

في هذه الأثناء، يستمر تبادل الرسائل بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، في سبيل تحسين العلاقات وإعادة التنسيق في مختلف المواقف. وقد تشهد المرحلة المقبلة خطوات من جانب باسيل لا يلجأ فيها إلى خطوات من شأنها تكريس القطيعة مع الحزب أو تعميق الخلاف معه. في مقابل عدم إقدام الحزب على منح الغطاء لميقاتي من أجل عقد جلسة حكومية يغيب عنها التيار. كل ذلك يبقى ذلك مندرجاً في سياق التعطيل وليس ابتداع الحلول. إذ لا يمكن لهذه الآليات أن تؤثر على النتائج، خصوصاً أن الحزب لا يبدو جاهزاً لخوض المعركة الرئاسية بشكل واضح ونهائي في هذه المرحلة عبر مرشحه. والتيار الوطني الحرّ لم يجد من يؤيد فكرته بشكل واضح حول تبني خيار المرشح الثالث.

إذاً، لا مؤشرات واضحة على جدية تمهد لإنجاز الاستحقاقات، خصوصاً أن "الاهتمام" الخارجي يتراجع يوماً بعد آخر في الملف اللبناني، لاسيما أن النظرة الديبلوماسية تشير إلى أن لانضوج حتى الآن لبلورة حلّ الأزمة اللبنانية أو إيجاد تسوية مرحلية لسد الفراغ، ولكن لا تؤدي إلى إنتاج الحل الشامل.

لذلك، لا فارق جدياً بين ما يقوله منجمو الشاشات، وبين ما تقوله معظم القيادات السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية. يضرب البعض موعداً لانتخاب الرئيس الربيع المقبل، ويقول آخر إن الفراغ لن يستمر إلى ما بعد فصل الصيف، ويروح الجميع يبحثون في رزنامة الأحداث الدولية ويتفننون في ربط الاستحقاق الرئاسي المجمد، بأحداث آتية، تبدأ من تطورات الملف النووي الإيراني أو نتائج الحراك الشعبي المندلع هناك، وتعبر منحنيات الأزمة الأوكرانية وتحفل بما يُتصور أنه المستقبل الذي ترسمه فرنسا لنفسها ولأوروبا برمتها من بوابة الدور اللبناني.

أوّاب إبراهيم