العدد 1531 /5-10-2022
أواب ابراهيم

قبل أيام استشهد طفل فلسطيني يبلغ من العمر 7سنوات بعدما سقط من علوّ مرتفع بسبب ملاحقة جنود الاحتلال الإسرائيلي له في منطقة بيت لحم بالضفة الغربية. معظم من وصله الخبر لم يسأل عن هوية الطفل أو اسمه، وكثيرون لم يسمعوا بالخبر أصلاً، ومن سمع به مرّ عليه سريعاً وتابع حياته بعدها.

قبل ثلاثة أسابيع توفيت شابة إيرانية في أحد مراكز التوقيف في العاصمة طهران، بعدما احتجزتها "شرطة الأخلاق" بتهمة عدم ارتداء الحجاب بالشكل المطلوب. العالم كله سمع بوفاة الشابة، والعالم كله صار يردد اسمها، وتحوّلت قضية "مهسا أميني" إلى رأي عام عالمي، علماً أن التسجيل المصوّر الذي عرضته السلطات الإيرانية يُظهر أن الشابة سقطت على الأرض من تلقاء نفسها دون أن يقترب منها أحد. وأنا هنا لست معنياً بتبرئة أو إدانة النظام الإيراني، فما يرتكبه في سوريا كاف لإدانته.

ككرة ثلج تكبر قضية "مهسا أميني" وتأخذ وفاتها أبعاداً جديدة، سواء داخل إيران، حيث تخرج تظاهرات يومية في الجامعات والمدارس، أو خارج إيران، حيث انطلقت من أجلها تظاهرات في 150 مدينة حول العالم. ولم يعد خافياً سواء كانت قضية "مهسا أميني" محقة أم لا، أن الغرب يستغلّ قضيتها للتضييق على النظام الإيراني والضغط عليه وإرهاقه.

كل هذا منطقي، لكن الملفت هو أن تأخذ التظاهرات المندّدة بوفاة "مهسا أميني" أبعاداً لاعلاقة لها بالحادثة، ولا علاقة لها بالنظام الإيراني، بل بالإسلام كدين. فبسحر ساحر صارت مأساة وفاة الشابة عنواناً للثورة على القيم الدينية والحجاب ورجال الدين، وتحوّل الغضب لوفاتها دعوة لخلع الحجاب في الشوارع وتحدي الدين، والهتاف بشعارات رافضة للحجاب وللسلطة الدينية التي تفرضه عليهن في إيران، وإهانة وشتم رجال الدين وما يمثلون.

لبنان، وكما دائماً، كانت له حصة من التظاهرات المنددة بوفاة "مهسا أميني". حيث تظاهرات عشرات النسوة "النسويات" رافيعن شعارات تنتقد الحجاب وترفضه، وحين جاء رجل دين "شيعي" معممّ للتضامن معهنّ طردنه من المكان وهنّ يهتفن "الفساد الفساد.. جوّا جوّا العمامات".

أن يستغلّ الغرب وفاة "مهسا أميني" للتضييق على النظام الإيراني مفهوم. وأن يستغلّ دعاة الإلحاد والمعادون للدين قضية الشابة الإيرانية للإساءة للإسلام ورجاله، وانتقاد كل ما يتعلق به أيضاً هذا مفهوم. لكن ما هو غير مفهوم وغير متوقع ومستنكر هو أن ينساق بعض خصوم النظام الإيراني من المسلمين الملتزمين للاشتراك في هذه الحملة، دون أن يدركوا أن مشاركتهم تندرج في سياق انتقاد الإسلام وتعاليمه. فالعداء لإيران ومشروعها في المنطقة العربية شيء، والمشاركة في حملة تناهض الحجاب والالتزام الديني شيء آخر.

الهيمنة الإيرانية على المنطقة، ومحاولة اختراق نسيجها الاجتماعي والطائفي، ومساندة نظام مجرم مرفوض ومستنكر ويجب مواجهته ومحاربته، لكن ذلك لايكون بالوقوف إلى جانب فريق لايعادي النظام الإيراني لأنه إيراني، بل لأنه يلتزم تعاليم الدين الإسلامي ومنهجه على الأقل من حيث الشكل.

على المُشبعين بالبغض لإيران ومشروعها وحلفائها سواء في لبنان أو غيره أن ينتبهوا وأن يدركوا أين يضعون أقدامهم. فمواجهة المشروع الإيراني لاتكون بمساندة الذين يواجهون القيم الإٍسلامية. عليهم أن يعوا بأنه ليس مقدّراً لهم الاختيار بين تأييد المشروع الإيراني ومعاداة الإسلام. هناك خيار ثالث، بعدم تأييد المشروع الإيراني ومواجهته، وفي الوقت عينه عدم تأييد أي إساءة للدين الإسلامي وقيمه وتعاليمه ومواجهة كل من يدعم هذا التوجّه.

من أعماه العداء لإيران ومشروعها، فليفرك عيناه جيداً وليفتحهما جيداً، وليتنبّه حتى لايصبح معاد للإسلام دون أن يدري.

أوّاب إبراهيم