العدد 1507 /6-4-2022

سواء كان خطأ في التعبير أو زلّة لسان، في كلا الحالتيْن ما قاله نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي عن إفلاس الدولة اللبنانية ومصرفها المركزي لم يلقَ اهتماماً من اللبنانيين. فمنذ 17 تشرين الثاني 2019 أدرك اللبنانيون أن الإفلاس مصير محتّم، بعدما تمنّعت المصارف عن تسليمهم أموالهم، وبدأ مصرف لبنان برفع الدعم تدريجياً عن السلع والمواد الأساسية، وتراجعت الخدمات الأساسية بشكل كبير. منذ ذلك اليوم، ولبنان يتدحرج نزولاً واللبنانيون يترقبون اللحظة التي سيرتطمون فيها بالقاع. لكن هذا الارتطام لم يحصل بعد.

بعض المتفائلين يعتبرون أن عدم انهيار الدولة بشكل كامل رغم مرور سنتيْن على بدئه مؤشر إيجابي يشير إلى أن لبنان استطاع تجنّب هذا الانهيار، ومصرف لبنان لن يعلن إفلاسه، وأن الأمور باتت على طريق الحل، والمرحلة المقبلة ستحمل معها تحسّناً في الأوضاع وتوفيراً الخدمات، وانطلاق مسار الخروج من الأزمة الحالية، خاصة إذا شرع صندوق النقد الدولي بتقديم مساعداته للبنان. لكن آخرين يروْن أن تأخّر الانهيار الكامل، أو على الأقل تأخّر الإعلان عن هذا الانهيار مؤشر سلبي، فهو يعني أن الأوضاع الحالية على سوئها سيكون بعدها ما هو أسوأ، وأن مسار الانحدار مازال مستمراً، وأن الأوضاع ستتدهور أكثر. أصحاب هذا الرأي يعتبرون أن الانهيار حاصل سواء أعلنت عنه السلطة أم لم تعلن، لكن الخلاف يتمحور حول توقيت هذا الإعلان.

وفي هذا الإطار يمكن قراءة تصريح نائب رئيس الوزراء حول إفلاس الدولة، فالملفت فيه ليس مضمونه بل توقيته. فرغم أن مقدمات الإفلاس وملامحه قديمة، فإن الإعلان عنه على لسان مسؤول رسمي يتولى التفاوض مع صندوق النقدي الدولي قبل 40 يوماً من موعد الانتخابات النيابية، يحمل دلالات ومعان -قد تكون مقصودة وقد لا تكون-، لكنها في جميع الأحوال تتجاوز الآثار النقدية والاقتصادية والاجتماعية.

فإذا أقرّت الدولة بإفلاسها -كما ورد على لسان نائب رئيس الحكومة- قبل موعد الانتخابات النيابية، فإن ذلك قد يقدم ذريعة تحتاجها بعض الأطراف لتطيير الانتخابات، علماً أن عدم الإعلان عن ذلك لايعني حكماً أن الانتخابات النيابية ستجري، رغم كل التحضيرات والاستعدادات التي تبذلها الدولة، والحملات الانتخابية التي يقوم بها المرشحون. فإجراء الانتخابات ليس مرتبطاً فقط بالانهيار الاقتصادي أو حصول حادث أمني كبير كما يتخوّف البعض، الأمور قد تكون أبسط من ذلك. يكفي أن تعلن مؤسسة كهرباء لبنان بشكل رسمي عجزها عن تأمين التيار الكهربائي يوم الانتخابات على كامل الأراضي اللبنانية، ليشكل ذلك سبباً لتطيير الانتخابات، وفي حال حصولها سيكون ذلك ذريعة للطعن فيها والتشكيك في نتائجها.

رغم كل ذلك يؤكد أركان السلطة كل يوم بحتمية إجراء الانتخابات النيابية، لأنهم لايتحملون تأجيلها أو تطييرها لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية.

سياسياً، لا أحد في الدولة مهما عظم نفوذه بإمكانه إلغاء استحقاق ينتظره اللبنانيون ومعهم العالم منذ سنوات. وهو استحقاق كان كثيرون في الداخل والخارج يطالبون بتقريب موعده، فهل يجرؤ أحد على تطييره في موعده الدستوري؟. أما اجتماعياً، فمما لاشك فيه أن المرحلة القادمة مقبلة على اتخاذ العديد من القرارات غير الشعبية، استجابة لما يسميها صندوق النقد الدولي "الإصلاحات" الضرورية. هذه القرارات لن تكون السلطة المنتهية الصلاحية قادرة على اتخاذها، وهي بحاجة لإعادة تأكيد الثقة الشعبية بنفسها من خلال الانتخابات كي يتسنّى لها اتخاذ هذه القرارات. أما اقتصادياً، فالانتخابات مناسبة لطرح بعض السيولة النقدية بين اللبنانيين، من خلال الترشيحات والحملات الانتخابية التي يعمل على تنظيمها المرشحون والمتموّلون واللوائح، وكذلك الرشى المباشرة وغير المباشرة التي يتمّ توزيعها على الناخبين، إضافة للأموال التي يمكن للخارج أن يضخّها في لبنان لدعم ومساندة الحلفاء والأتباع، وستشكل هذه الأموال الانتخابية (فريش دولار) قشّة ستساهم في تعويم شريحة واسعة من اللبنانيين لأشهر عدة، علّ الفرج يأتي بعد ذلك بتسوية دولية تسمح بعودة الأيادي الخليجية البيضاء إلى لبنان.

أوّاب إبراهيم