العدد 1455 /31-3-2021

خلال الجلسة التشريعية الأخيرة واصل رئيس مجلس النواب نبيه بري نهجاً بدأه منذ زمن بالإساءة لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فاستهزأ من طلب دياب أن يقوم مجلس النواب بتفسير المادة الدستورية المتعلقة بالصلاحيات التي يمكن لحكومة تصريف الأعمال التي يرأسها أن تقوم بها في ظل تعثر الحكومة الجديدة. بري لم يكبد نفسه عناء النظر بمضمون طلب دياب الذي يشغل رأس السلطة التنفيذية -حتى تشكيل الحكومة الجديدة- ولم يناقشه، بل رفض الطلب مستهزئاً "هيدا حكي تركي". بري سبق له في محطات كثيرة أن كشف عن عدم تقبله لوجود دياب رئيساً للحكومة، وهو يتعمّد الإساءة إليه والانتقاص من مكانته، وكانت أبرز هذه المحطات جلسة تشريعية سابقة طلب خلالها الرئيس دياب من الرئيس بري فتح جلسة تشريعية مسائية بهدف إقرار اقتراح قانون لصرف 1200 مليار ليرو لمساعدة الفئات المهمشة. بري يومها لم يكتف بإهمال الطلب، بل ثارت ثائرته على دياب وخاطبه بطريقة غير لائقة تخالف أعراف التخاطب بين الرئاسات، وقال له "لا إنت ولا غيرك بيفرض عليي شو بدي إعمل" قبل أن يرفع الجلسة ويختم الجلسات التشريعية. بري لم يشفِ غليله بهذا التصرف، بل صدر عن الأمانة العامة لمجلس النواب بيان جاء فيه "على الحكومة أن تتعلم كيفية إرسال مشاريع القوانين إلى مجلس النواب قبل التطاول عليه".

الانتقاد والانتقاص والاستهزاء وشتم السياسيين أمر يومي اعتاده اللبنانيون في صباحاتهم ومساءاتهم، وألفته وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. فالمواطن لم يبقَ له للتنفيس عن غضبه وحنقه ورفضه للطبقة السياسية المسؤولة عمّا آل إليه الوضع إلا بتوجيه الشتائم وتأليف النكات المهينة ونظم الأغاني الساخرة من السياسيين، لكن ما هو غير مألوف وغير معتاد هو أن يصدر الاستهزاء والانتقاص من رأس السلطة التشريعية لرئيس السلطة التنفيذية.

منذ تكليف حسان دياب برئاسة الحكومة كان واضحاً أن الرئيس نبيه بري لايهضمه ولا يستسيغه. لكن ما يعرفه بري جيداً أن القبول والمودّة شيء، والالتزام بالأصول والاحترام شيء آخر، خاصة إذا كان الاحترام تجاه مرجعية سياسية لطائفة كبيرة كرئاسة الحكومة. فما هي الخطيئة التي ارتكبها دياب بطلبه تفسير صلاحيات حكومة تصريف الأعمال ليلقى الصدّ والتجاهل من بري، وما هي الجريمة التي أقدم عليها بطلب يهدف لإقرار قانون يساعد الفئات المهمشة حتى يلقى هذا التعامل المهين؟!.

الإساءات التي أقدم عليها رئيس الجمهورية ميشال عون في الأسابيع الأخيرة تجاه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مازالت ماثلة في الأذهان. كمخاطبته بطريقة غير مناسبة، وإرسال مسودة تشكيل الحكومة إليه للتوقيع عليها وكأنه موظف لديه. لكن هذا التصرف من قبل عون لقي استياء واستنكارا ً كبيرين في الأوساط السياسية والشعبية، لما تضمنه من انتقاص من الحريري وما يمثله سياسياً وطائفياً. لكن الإساءات والإهانات التي أصابت الرئيس حسان دياب منذ وصوله للسراي الحكومي وحتى اليوم كثيرة، لكن لم نسمع أصوات استنكار واستهجان لما ناله من إساءات كما حصل مع الرئيس الحريري. السبب في ذلك هو أن للحريري حيثية شعبية وحلفاء أقوياء في المنظومة السياسية، استنكرت ما أصابه، وهو ما يفتقده دياب. لكن ما يغفل عنه بري والآخرون، هو أن حسان دياب أحببناه أم لم نحبه، أجاد في رئاسة الحكومة أم أخطأ، هو -حتى هذه اللحظة- رئيس مجلس الوزراء في الدولة اللبنانية، وهذا الموقع يشغله بصفته ممثلاً لطائفة تشكل ركناً أساسياً في المنظومة السياسية. فإذا كان فريق من اللبنانيين يرفضون المساس برئيس الجمهورية على علاته ومصائبه لأن ذلك يعدّ انتقاصاً من مركز يخصهم، فيجدر باللبنانيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب أن يحرصوا على عدم الإساءة لموقع رئاسة الحكومة حتى ولو كان في مرحلة تصريف الأعمال، لأنّ هذا الموقع -كما هو حال رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب- يخصّ فريقاً من اللبنانيين لايقبلون بالانتقاص من المركز الذي يمثلهم.

أوّاب إبراهيم