العدد 1529 /21-9-2022
أواب ابراهيم

أرجو أن لايُساء فهمي، فليس المقصود بالعنوان هو ذلك الجمهور من الناس الذين يجلسون مضطجعين على كنبة، يحملون هواتفهم الذكية، يوزّعون إعجاباتهم وتعليقاتهم على من تعثر عليه أعينهم في وسائل التواصل الاجتماعي. هؤلاء القوم، لهم أن ينتقدوا حركة حماس كما شاؤا. فهؤلاء "شغلتهم وعملتهم" التنظير وتوزيع الآراء سواء طُلبت منهم أم لم تُطلب. هؤلاء لا يسعك إلا أن تقدّر الساعات الطوال التي يقضونها وهم يساجلون ويقارعون ويناقشون بأمور بعضهم له "طعمة"، ومعظمها "بلا طعمة".

المقصودون بالعنوان هم أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب رأي وحكمة، والذين يملكون منابر إعلامية يتحدثون من خلالها، ولهم مؤيّدون ومعجبون ومناصرون. هؤلاء الذين انقضّوا على حركة حماس نهشاً وقضماً بعد إعلانها استعادة علاقتها مع النظام السوري. الملفت في بعض هؤلاء، انكشاف أنهم لم يكونوا أصلاً يكنّون ودّاً ولا تأييداً لحركة حماس وجهادها، لكنهم كانوا ملتزمين الصمت، لايجرؤون على التعبير عن موقفهم الحقيقي وكراهيتهم المضمرة. لكنهم وجدوا اليوم الفرصة مؤاتية لإخراج ما تضمره قلوبهم ونفوسهم من بغض وغلّ تجاه حركة حماس.

لستُ معجباً بأداء حماس السياسي في الآونة الأخيرة، ولست راضٍ عن استعادة العلاقة مع نظام مجرم، ولا أملك أي معلومة حول الأسباب التي دفعتها لاتخاذ خطوة كهذه، لكنني بالتحليل أجزم بأن إيران هي التي تضغط على حركة حماس لاستعادة هذه العلاقة. وللعلم فإن الضغط الإيراني لاستعادة العلاقة ليس على حماس فقط، بل أيضاً على النظام السوري ورئيسه، بعد "التصرفات" التي ارتكبتها حماس بحق هذا النظام.

فلمن لا يعرف، قدم النظام السوري لحركة حماس ما لم يقدمه أي نظام آخر. والحرية التي تنعّمت بها حماس وقيادتها وكوادرها على الأراضي السورية لم تتنعم بمثلها في أي مكان آخر. فالنظام كما الشعب السوري فتحوا أيديهم لحماس، وقدموا لها ما تريده وما تحتاجه. فصارت سوريا ملعباً مفتوحاً لحماس، تدرّب فيه عناصرها، وتطوّر فيه أسلحتها، تجتمع فيه قيادتها وتتنقل بحرية وأمان، وتشكل باحة خلفية لدعم وتنظيم وتطوير المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية. النظام السوري نظام مرتكب هذا صحيح، لكنه أكرم حركة حماس كما لم تفعل أي جهة أخرى. رغم كل هذا الكرم ، حين بدأ يبطش النظام بشعبه، لملمت حماس أغراضها وأفرادها وانسحبت من سورياٍ.

الثمن الذي دفعته حماس للتخلي عن النظام مقابل مناصرة الشعب السوري لا يقل عن الثمن الذي دفعه السوريون أنفسهم. والدعم الذي قدمته حماس للثورة السورية لم يقدمه من ينتقدونها اليوم. فليس سراً أن كوادر وعناصر من حركة حماس شكلوا فصيلاً مسلحاً وانضموا إلى المعارضة السورية وخاضوا معارك ضد النظام في مخيم اليرموك وأماكن أخرى. ومازلنا نذكر صور مجزرة حي التضامن التي تكشّفت قبل أشهر، و كان من بين ضحاياها فلسطينيون، حين كان المجرم الذي يرمي الضحايا في الحفرة قبل إطلاق النار عليهم يقول لهم "انت مع حماس ولاه".

وفي الوقت الذي كانت فيه حماس تناصر الثورة كانت فصائل المعارضة السورية في أحضان الولايات المتحدة الداعم الرئيسي للعدو الإسرائيلي. فواشنطن هي التي رعت وموّلت ونظّمت ودرّبت العديد من فصائل المعارضة. كما أن بعض فصائل المعارضة كانوا على علاقة وتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، ووصلت هذه العلاقة مستوى معالجة جرحى المعارضة في المستشفيات الإسرائيلية. لم نسمع يومها صوتاً من حركة حماس أو غيرها تنتقد هذا التعاون والتنسيق، أو تخوين من تواصل مع العدو الإسرائيلي وتنعّم بفيء الولايات المتحدة.

نعم راهنت حماس على سقوط النظام السوري، لكنها فشلت برهانها، والنظام رغم إجرامه وهزاله مازال صامداً. الذي سقط هي المعارضة السورية التي بدأت تأكل بعضها وتنهش لحم بعضها. ومن يريد أن يعمل عليه التكيّف مع الوقائع ويجتهد، فربما يخطئ ويصيب، لكنه حتماً خير من الذي يوزّع شهادات العمالة والبراءة وهو مضطجع على جنبه يلهو بهاتفه، يشرب من كوب شاي بعد كل انتقاد.

أوّاب إبراهيم