العدد 1534 /26-10-2022
أواب ابراهيم

لم يسبق أن عاش لبنان عهداً رئاسياً استنزف موارده واقتصاده ويومياته بالتعطيل الحكومي كما هو الحال في عهد الرئيس ميشال عون.

استنزَف الجنرال ما استطاع من رؤساء للحكومات أصيلين ومُكلّفين. أمعنَ في الاستهانة وتهميش مقام رئاسة الحكومة. ابتدعَ ما لم يسبقه عليه أحدٌ من تأجيل للاستشارات النّيابيّة المُلزمة تحتَ غطاء "التوافق" أو معرفة الاسم الذي سيسمّيه النّوّاب سلفاً. أحجَمَ عن تطبيق القوانين، وتوقيع التعيينات والتشكيلات القضائيّة.

منذ اليوم الأوّل لرئاسته أصرَّ عون على أن يرأس دائماً مجلس الوزراء وأن لا قرار بدون إرادته، بل بعد العام 2011 صار ثلثا مجلس الوزراء بيده ويد حزب الله وحلفائهما. وفي أيّ وقت، وفي كلّ وقت كان الصوت عالياً من جانبه ومن جانب أعوانه ومستشاريه في ضرورة إسقاط الدستور أو تعديله لصالح الرئيس. وعندما وجد أنّه لا يمكن جمع أكثرية مجلس النواب من أجل ذلك، ما تردّد في الخروج في كلّ مناسبة وبدون مناسبة على الدستور وعلى القوانين.

لا يمكن تشكيل حكومة بدون رضا الرئيس، ورضا الرئيس انتحار لأنّه يريد أخذ كلّ شيء، وبعد مقاومة أشهر يُعطى كلّ شيء. كان عون يملك الشّرعيّة الدستورية والشعبية لصياغة اتفاق وطني عميق وحقيقي، وبناء دولة حقيقية. لكنّ الواقع يقول إنّه لم يقُم بخطوة أو مبادرة واحدة لخدمة اتفاق الطائف، وكان العنوان الرئيسي هو كيفيّة الهيمنة على السلطة والإيحاء للمسيحيين بأنّ هناك إعادة إنتاج لدورهم الرئاسي، وهو أمر أضرّ بالدور المسيحيّ في النظام السياسي، عبر تبديد كلّ مقوّمات الدّستور.

وعد الرئيس ميشال عون اللبنانيين عند وصوله إلى سدّة الرئاسة، بأن يكون "الرئيس القوي" الذي يحقّق الإصلاحات ويفضح الفساد، لكنه ينهي بعد أيام ولاية أثقلها انهيار اقتصادي وتظاهرات شعبية غير مسبوقة وانفجار مروع. ومنذ بدء ولايته في 2016 إثر تسوية سياسية، قدّم عون نفسه على أنه "بيّ الكل"، وعرّاب استعادة حقوق الطائفة المسيحية "المسلوبة"، وأطلق مناصروه على ولايته تسمية "العهد القوي". وتعهّد عون الذي قدّم نفسه على أنه الرئيس المنقذ، بتحقيق نهضة اقتصادية واستقرار اجتماعي واستئصال الفساد. لكنها وعود لم تتحقّق، واتسّم النصف الثاني من عهده بشلل سياسي وانهيار اقتصادي متسارع وتظاهرات غير مسبوقة استمرت أشهرا، وعكست نقمة على أداء الطبقة السياسية، وكان صهره النائب جبران باسيل أبرز المستهدفين فيها.

وشكّل انفجار مرفأ بيروت الضربة القاصمة، بعدما حمّل اللبنانيون الطبقة السياسية، ومن ضمنها عون، مسؤولية الانفجار. إذ تبيّن أن المسؤولين كانوا على دراية بوجود كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم مخزنة منذ سنوات في المرفأ من دون تدابير وقائية، ولم يفعلوا شيئا.

لعل الخيار الوحيد والممكن أمام رئيس الجمهورية وولي عهده وفريقه الاستشاري هو الذهاب الهادئ إلى قصره الجديد في الرابية رفقة الحشود العونية المدعوة الى تشكيل سلسلة بشرية تصل باب قصر بعبدا بباب قصر الرابية شاهدين على طي صفحة جيل ميشال عون السياسي.

لم يختَر "حزبَ الله" ميشال عون عن عبثٍ ليوصله إلى الرّئاسة الأولى. كان يعلمُ يقيناً الأداء المخزي الذي سيقدمه "بيّ الكل". فعون منذ وصل قصر بعبدا عمل على تفتيت مؤسسات الدولة مؤسسة مؤسسة، وإدارة إدارة، ووزارة وزارة. سيرحل تاركا وراءه دولة أتقن إفلاسها وانهيارها وتفتيتها.

أوّاب إبراهيم