العدد 1552 /1-3-2023

مقتل الشيخ أحمد الرفاعي جريمة بشعة بكل المقاييس. سواء لناحية الطريقة الوحشية التي نُفذت بها، أو لناحية الخلفيات المالية والبلدية والعقارية السخيفة التي دفعت القتلة لارتكاب جريمتهم، أو لناحية قرب القتلة من القتيل ومعرفتهم الوثيقة به وصلة القربى والتداخل العائلي فيما بينهم. ما زاد في بشاعة الجريمة أن المحرّض عليها والمخطّط لها وربما من ارتكبها يحمل إجازة في الشريعة الإسلامية ويعتبر نفسه عالماً من علماء المسلمين، ويقدّم نفسه وجيهاً بين أبناء قريته، وتحدّث في لقاء علمائي شعبي في منزل القتيل مطالباً الأجهزة الأمنية بالبحث عن الجناة.

ما يستحق التوقف عنده هو مسارعة البعض لتوجيه "اتهام الفتنة" لجهة أو لحزب أو لجهاز أمني بالوقوف وراء اختفاء الشيخ أحمد الرفاعي دون امتلاك هذا البعض أيّ دليل أو بيّنة تؤكد اتهاماتهم. على مدى أيام كرّر البعض بالغمز واللمز والاتهام الموارب والصريح في تصريحات ومقابلات إعلامية وتغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي اتهامات باتجاهات عدة، لكن معظمها تركز تجاه حزب الله، والدافع حسب هؤلاء أن الشيخ رحمه الله كان ينتقد الحزب.

تكشّفت تفاصيل الجريمة المروّعة وتمّ التعرّف على القتلة وتبيّن أن الاتهامات التي كانت تُطلق يمنة ويسرة لا أصل لها. لكنني سأفترض أن تفاصيل الجريمة لم تتكشف، وأن الأمور بقيت على حالها من الغموض، أو أنه تمّ العثور على جثة الشيخ الرفاعي دون معرفة المجرمين الذين ارتكبوا الجريمة، فهل يصحّ توجيه اتهام بجريمة وإعطاء أبعاد مذهبية أو سياسية لها في غياب أي دليل يدعم هذه الاتهامات؟!. أنا هنا لا أتحدث عن ضرورة تحرّي الصدق في الأخبار والتأكد من صحتها، وعدم إطلاق الاتهامات جزافاً، بل أتحدث عن المصلحة. هل من المصلحة إذكاء فتنة مذهبية أو سياسية قد تؤدي لإراقة المزيد من الدماء؟. هل من المصلحة توجيه اتهام لحزب الله بارتكاب جريمة مع ما يستتبع هذا الاتهام من تشنّج واحتقان مذهبي ومواجهات وإشكالات نعرف كيف تبدأ ولانعرف كيف تنتهي. الجميع يدرك قدرة حزب الله العسكرية والأمنية والشعبية التي تفوق قدرة الدولة فكيف بقدرة أبناء قرية أو مجموعة شبان، فهل من المصلحة الدفع باتجاه افتعال مواجهة قد تأخذ أشكالاً دموية. ربما يستقوي البعض على أشخاص ينتمون لحزب الله في منطقة لا يملك فيه الحزب نفوذاً، ولكن ماذا عن المناطق الكثيرة الأخرى، وماذا لو حصلت ردود فعل تسببت بإراقة دماء أخرى، وماذا لو دخلت جهة ثالثة (خارجية أو داخلية) لتُذكي الفتنة بين المتخاصمين بهدف إشعال فتنة طائفية ومواجهات بين السنّة والشيعة معروف مسبقاً الجهة التي ستكون منتصرة، في ظلّ الضعف والهوان و"الهريان" الذي تعيشه الطائفة السنّية.

المتضررون من أيّ فتنة أو مواجهة أو صراع هم الذين ينتمون للبيئة نفسها التي ينتمي إليها الشيخ المغدور رحمه الله، فهل من المصلحة النفخ في فتنة سيكون الخاسر فيها ذوو المغدور وصحبه وقريته ومن يحبهم؟!.

أمر آخر أشار إليه "النافخون" في الفتنة بعد انكشاف الجهة التي ارتكبت جريمة قتل الشيخ الرفاعي، وهي تأييد القتلة لحزب الله، وظهورهم في مناسبات له وعلى رأسهم المحرّض للجريمة والمخطّط لها رئيس بلدية القرية. فهل ذنب حزب الله أن أبناء قرية القرقف انتخبوا رئيس بلدية يؤيده، وأنهم يجددون انتخابه في كل استحقاق بلدي. وبات معلوماً أن الشيخ المغدور كان يسعى لعدم التجديد للمجرم رئيس البلدية في الانتخابات البلدية الأخيرة، لكن مساعيه خابت أمام رغبة أكثرية أبناء قريته. فمسؤولية تأييد رئيس بلدية عكارية في أقصى شمال لبنان لحزب الله لاتعود على الحزب، بل على أبناء القرية، وكل قرية أو بلدة أو مدينة أخرى تناهض غالبية أبنائها حزب الله ثم تنتخب مؤيدين له في الانتخابات.

أوّاب إبراهيم