العدد 1512 /18-5-2022

وضعت الانتخابات أوزارها، فاز من فاز وخسر من خسر. ربما لم تتحقق أماني كثيرين كان يعقدها البعض على الانتخابات بالفوز، لكن هذا لاينفي أن إجراء الانتخابات بحدّ ذاته أثمر إيجابيات كثيرة يجب الاستفادة منها والبناء عليها.

من إيجابيات إجراء الانتخابات أنها أرست وجهاً مقبولاً للسلطة في لبنان. فقد كان بإمكان الحكومة -مدفوعة من القوى السياسية المتضررة من إجراء الانتخابات- التذرّع بعدم القدرة على إجرائها بسبب عدم توفر الاعتمادات المالية اللازمة، أو تعذر تأمين التيار الكهربائي في الأقلام وأماكن الفرز، أو الوضع الأمني غير المستقر، لكنها لم تفعل. وفي هذا الإطار لابدّ من الإشادة بالأداء الإيجابي الذي قدّمه وزير الداخلية (ابن طرابلس) القاضي بسام مولوي، في الحيادية والشفافية والمثابرة والجهد الكبير الذي بذله. الأمر الإيجابي الآخر المرتبط بالسلطة، هو أن إجراء الانتخابات دون عوائق تُذكر في ظل التهتّك الذي تعاني منه مؤسسات الدولة وإداراتها كشف عن قدرة خفية مازالت تملكها هذه السلطة. فإذا توفرت الإرادة والعزيمة فلا شيء مستحيل. وهذا ينطبق على المساعي للخروج من المآزق الكثيرة التي يعاني منها اللبنانيون، وفي مقدمها الهموم المعيشية. فخلال الشهور الماضية شعر اللبنانيون أنهم بمفردهم يكابدون مصيرهم بعدما تخلّت عنهم السلطة، وأن الدولة انتهت، وأن الانهيار الاقتصادي سيمتد إلى مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية. ليتبيّن من خلال إجراء الانتخابات، أن مؤسسات الدولة مازالت قادرة على العمل والإنجاز، وأن الأمل بخروج لبنان من انهياره كبير، لكنه بحاجة لرؤية واضحة ومشروعاً قابلاً للتطبيق.

من إيجابيات العملية الانتخابية أيضاً أنها ضخّت ملايين الدولارات التي كانت مخزّنة في المصارف الأجنبية والخزنات الحديدية للمرشحين. صحيح أن هذه الدولارات استخدمها المرشحون للترويج لأنفسهم في وسائل الإعلام، وشراء الذمم والأصوات خلال الأسابيع الماضية. لكنها من جهة ثانية خففت من وطأة الأزمة الاقتصادية وحدّتها على الطبقة المتوسطة والفقيرة، لاسيما بالنسبة الذين عملوا في حملات انتخابية تتبع لمتموّلين ليس لهم رؤية ولا مشروع ولا انتماء، يملكون فقط جيوبهم. هذا البازار الانتخابي شكّل مسكناً لأوجاع الكثيرين أقلّه لأسابيع.

من إيجابيات إجراء الانتخابات كذلك أنها كشفت عن الحجم الحقيقي للقوى والأحزاب والشخصيات. فكم من مرشح ملأ الشاشات بالمقابلات والأحاديث الصحفية، وغطّى الشوارع بصوره وشعاراته، ولم يترك زاوية في وسائل التواصل الاجتماعي إلا ونشر فيه إعلاناً لشخصه الكريم، ليتبيّن أنّه مرشح من كرتون، حجمه بضع عشرات أو بضع مئات من المؤيدين. في المقابل، حاز بعض المرشحين آلاف الأصوات، رغم أنهم لم يظهروا على شاشة. وقد كشفت الانتخابات عن وعي شريحة مقدّرة من اللّبنانيين، لم ينخدعوا بإعلان ولا مقابلة متلفزة ولا صورة ضخمة ولا مال انتخابي، وصوّتوا لمن يعرفونه عن قرب، خبروه في الأزمات والشدائد، وليس في المواسم الانتخابية.

من إيجابيات إجراء الانتخابات، أنها دفعت الرئيس سعد الحريري للإسراع بإعلان اعتكافه وتعليق العمل السياسي، والتخلّي عن دوره في قيادة وتمثيل المسلمين السنّة في لبنان. الإيجابية هذه تمثّلت في دفع الشريحة التي كانت تؤيّد الحريري للبحث عن بدائل من الحريرية السياسية التي شكلت ممثلاً وحيداً للمسلمين السنّة في لبنان منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم. حالة الاختلال التي سبّبها اعتزال الحريري، هدّأت منها الانتخابات وفوز مرشحين للطائفة، وستهدأ أكثر في المرحلة المقبلة.

من إيجابيات إجراء الانتخابات أنها محّصت الصفوف، وكشفت النفوس. فبقي المخلص المؤمن بالفكرة والمشروع، وانضمّ الحريص على المصلحة، وانكشفت سريرة الخبيث وبانت أنيابه، وخرج المنتفع "المصلحجي" بعدما وجد مصلحته في مكان آخر. ربما تناقصت الأعداد، لكنها هذه المرة أعداد حقيقية ثابتة يمكن الركون إليها والاعتماد عليها، وليست مجرد أرقام.

من إيجابيات الانتخابات أنها دفعت القوم المختلفون للتعاون والتكاتف والتلاقي وتجاوز الخلافات. ربما لم يحقق القوم الفوز بمقعد نيابي، وهو بالمناسبة ليس هدفاً لهم. لكنهم حققوا اللحمة فيما بين المخلصين، علّه يتم البناء على ما حققته الانتخابات من تعاون وتلاق بين المخلصين، لما فيه خيرهم وخير جميع اللبنانيين.

أوّاب إبراهيم