العدد 1527 /7-9-2022
أواب ابراهيم

قبل أسابيع من موعد الانتخابات النيابية التي جرت قبل أشهر، التقى وفد من كبار علماء مدينة طرابلس (من جمعيات وهيئات ومشارب مختلفة) مع أمين عام الجماعة الإسلامية. قالوا له: لانريد أن يكون لنا مرشحاً للانتخابات، كما أننا لانريد المشاركة في اختيار مرشح الجماعة، ونحن نؤيد مرشحكم أياً كان، اختاروا من تجدونه مناسباً ونحن معكم. وفد العلماء توافق مع قيادة الجماعة على أن الوضع الذي يعيشه المسلمون في لبنان من إهمال وتهميش لم يعد يُحتمل، والمخاطر والتحديات التي تواجههم تتطلب من الجميع على اختلافاتهم التلاقي والتعاون ورصّ الصفوف والعمل لتحقيق هدف واحد. وهذا ما تحقق فعلاً في الانتخابات إلى حدّ كبير، ولو لم يؤدّ للنتائج المرجوّة بنجاح مرشح الجماعة.

قبل أيام شهدت مدينة صيدا مهرجاناً جماهيرياً حاشداً حضره الآلاف من أبناء صيدا والمناطق المجاورة احتفالاً بتخريج أكثر من 2400 طالب وطالبة شاركوا في 38 دورة صيفية وتربوية وقرآنية. الدورات التي تخرّج طلابها ينتمون لمروحة واسعة من لجان المساجد ودور القرآن والدورات الصيفية والمخيمات التربوية، يختلف القائمون عليها فيما بينهم في العديد من القضايا والمسائل الشرعية والسياسية وربما الشخصية، لكنهم تلاقوا هذه المرة واجتمعوا لتنظيم مهرجان جامع لطلابهم، في مشهد غير مسبوق سواء في صيدا أو غيرها من المناطق الأخرى من التعاون بين الجمعيات والهيئات والأحزاب والشخصيات الإسلامية.

هي روح جديدة من الإيجابية والترفّع على الخلافات تسود الوسط الإسلامي. روح يمكن إرجاعها لعدد من العوامل. منها ما تمّت الإشارة إليه أعلاه، من إدراك الجمعيات والهيئات والشخصيات لتزايد المخاطر والتهديدات التي تواجه المسلمين في لبنان، خاصة بعد وصول نواب إلى سدة البرلمان يمثلون المسلمين السنّة طائفياً، لكنهم في الواقع لايمثّلون سوى أجندات دخيلة، ومشاريع شاذّة لا علاقة لها بالمسلمين. أيضاً من العوامل التي دفعت للتلاقي والتعاون، التخلّي والإهمال الذي تمارسه بعض الجهات الخارجية تجاه الداخل اللبناني، وهي التي طالما اعتادت على دعم ومساندة وتمويل جمعيات وهيئات. فغياب هذه الجهات، دفع معظم من كان يصلهم التمويل لإدراك حقيقة أنه "ما حكّ جلدك مثل ظفرك"، وأنّ قدر اللبنانيين مساندة بعضهم وأن يتلاقوا ويتعاونوا حول الأهداف المشتركة، وأن أحداً لن يقف إلى جانبهم بالمجان. أمّا العامل الأهم الذي ساهم في تقارب الوسط الإسلامي بين بعضه البعض والتلاقي والتعاون هو زيادة نسبة الوعي في هذا الوسط، وإدراك القائمين على الجمعيات والأحزاب والهيئات الإسلامية أن ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرقها، وأن المخاطر المحدقة بها تستهدف وجودها وعقيدتها وقيمها ودينها، وهي لا تستهدف فريقاً بعينه أو جهة بعينها، بل تستهدف الجميع، ولا يمكن مواجهة هذه المخاطر إلا بالتكاتف والتلاقي.

التعاون هذا إذا قُدّر له الاستمرار والتطوّر لمستويات أعلى في استحقاقات وميادين أخرى، فإنّه سيعكس حضوراً مميّزاّ لشريحة من اللبنانيين لطالما عانت من التغييب والإهمال في وسائل الإعلام وفي السياسة وفي الحياة الاجتماعية، ويتمّ تهميشها وتجاوزها عند كل استحقاق، بسبب فرقتها وتشرذمها وعدم اجتماعها على كلمة واحدة ورأي واحد.

لكن ما يجب الانتباه إليه، هو أن التعاون والتنظيم المشترك للفعاليات والمهرجانات والأنشطة الأخرى من الهيئات والجمعيات والشخصيات، يجب أن لايدفع البعض للغرور والتفاخر والشعور بأنه وحده موجود ولا أحد غيره، فلا يُلغي حضور ووجود وتمثيل شرائح أخرى في المجتمع. فالتهميش الذي عانت منه -ومازالت- القوى والهيئات الإٍسلامية طوال المرحلة الماضية لايجب أن تمارسه تجاه الآخرين. فالساحة تسع الجميع، فكما أن هناك لبنانيون محافظون ملتزمون متمسكون بدينهم، هناك لبنانيون آخرون يحملون توجهات وقيم وأفكار مختلفة، لايجوز إلغاؤهم ولا تهميشهم ولا إهمالهم.

أوّاب إبراهيم