العدد 1506 /30-3-2022

دأبت إحدى القنوات التلفزيونية منذ أسابيع على ابتكار طريقة جديدة في استهلال نشرتها الإخبارية المسائية. فبعد استعراض أبرز موضوعات النشرة والأزمات الكثيرة التي تطحن المواطن اقتصادية ونقدية وخدماتية وأمنية وسياسية، وبعد التركيز على الفساد والفشل والعجز الذي يحيط بالطبقة السياسية من كل جانب، تختتم مقدمتها بمخاطبة اللبنانيين بالقول "لكل ما سبق.. أوعا تنتخبوهن هنّا زاتن".

لا تخترع القناة البارود بخاتمتها هذه، فمن المعروف أن السبيل الوحيد للخروج من المستنقع الذي يعيش فيه اللبنانيون يكون بعدم انتخاب كل من يشارك في المنظومة الحاكمة، لكن رغم بديهية هذا الأمر، فإنه يفتح الباب لسؤال كبير: السلطة السياسية الحالية فاسدة وعاجزة ويجب إخراجها بكل وسيلة ممكنة، ولكن ما البديل؟ فإذا تم استثناء مناصري ومؤيدي والمنتفعين من أحزاب السلطة، هناك إجماع بين اللبنانيين بأن الأزمات التي يرزحون تحتها تقف وراءها الأحزاب والقوى الأساسية في لبنان، وأن سبباً رئيسياً للانهيار الحاصل سببه تقاسم السلطة المغانم والتنفيعات والوظائف وتلزيمات المشاريع، كل هذا صحيح، لكن هل هناك بديل أفضل متاح أمام اللبنانيين اليوم؟

الحديث لايدور عن غيبيات أو أمور مجهولة، فباب الترشح للانتخابات النيابية أقفل، وباتت معلومة هوية الأشخاص الذين تقدموا للانتخابات، ومن استعراض سريع لأسمائهم يتبيّن التالي:

غالبية المرشحين للانتخابات، هم مرشحو الأحزاب السياسية المتواجدين حالياً في السلطة والذين يفترض باللبنانيين أن يُخرجوهم من المشهد بعدما ثبت عجزهم وفشلهم إذا لم نقل فسادهم. لكن المؤسف أنه رغم إدراك اللبنانيين والعالم بمسؤولية هذه السلطة عن الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، فإن غالبية التقديرات تشير إلى أن الأحزاب الموجودة في السلطة الحالية ستحصد معظم مقاعد المجلس النيابي القادم بأصوات وثقة ودعم ومساندة غالبية اللبنانيين. ربما ستتآكل كتلهم النيابية قليلاً، لكن بالنتيجة سيبقون هم أنفسهم من يملكون حصة الأسد في المنظومة الحاكمة، وبالتالي فإن آمال اللبنانيين بتحسّن الأوضاع بعد الانتخابات لن تنجح، والوضع الذي كان قبل الانتخابات سيكون بعده، وربما بصورة أسوأ بعدما تتحرّر الأحزاب والقوى من الاستحقاق الانتخابي، ولا تكون مضطرة لاتخاذ خطوات وشعارات شعبوية لزيادة رصيدها الانتخابي.

هذا لايعني أن الصورة قاتمة تماماً وأن الانتخابات لن تأتي بجديد. فحتماً سيكون هناك تغيير، وستدخل الندوة البرلمانية وجوه جديدة سواء كان عددها كبيراً أو بسيطاً، وهنا ينكشف وجه آخر لمشكلة اللبنانيين. فبعد إغلاق باب الترشيحات، وإعلان المرشحين لبرامجهم وخططهم ورؤاهم ومشاريعهم، يبحث اللبنانيون عن من يقدم رؤية عملية قابلة للتطبيق يمكن أن تُحدث ثقباً في الجدار الأسود الذي يحيط باللبنانيين من كل جانب فلا يجدون؟ مَن مِن بين المرشحين الذين يخرجون على اللبنانيين هذه الأيام ويرفعون شعارات برّاقة ويوزعون الرشى الانتخابية على شكل مساعدات يملك ما هو أكثر من الشعارات والكلام المنمّق. هل وجد اللبنانيون فريقاً أو جهة أو حتى مرشحاً واحداً يحمل مشروعاً عملياً قابلاً للتطبيق بعيداً عن المزايدة يمكن أن يشكل نجاحه بارقة أمل في بداية التغيير وتحسين حياة اللبنانيين؟

بكل أسى يمكن القول أن أسماء المرشحين لا تبشر بخير، فمعظم الذين قدموا أنفسهم بديلاً عن السلطة الفاسدة المتهالكة إما أهم مجهولون مغمورون أو أنهم ليسوا أفضل منها بشيء. ربما لايكونون فاسدين، لكنهم على الأرجح عاجزين عن تقديم الحلول، وهنا تكمن مشكلة اللبنانيين الحقيقية. فلطالما اشتكى اللبنانيون من فساد وعجز وفشل الطبقة السياسية التي تشكل غالبية مجلس النواب، ومنذ سنوات يترقّب كثيرون الاستحقاق الانتخابي لاستبدال هذه الطبقة، لكن مما هو ظاهر أن البدائل لن تصل، وإذا وصلت فإنها لن تختلف كثيراً عن سابقاتها.

"أوعا تنتخبوهن هنّا زاتن".. لكن من ينتخب اللبنانيون؟!.

أوّاب إبراهيم