العدد 1462 /19-5-2021

هاجر أحد أصدقائي الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة واحترف رياضة كمال الأجسام واللياقة البدنية. بعد حصوله على الجنسية الأميركية بسنوات، عاد إلى لبنان ليعمل مدرّباً خاصاً في أحد أرقى الأندية الرياضية ببيروت، وكان يتحدث مع تلامذته المتدربين باللغة الإنكليزية. من بين من دربهم شاب محترم مثقف راق، من خلال حديث عابر معه، أدرك الشاب أن مدرّبه من أصول فلسطينية، فاختفى الشاب، ولم يعد للنادي مرة أخرى، ليدرك صاحبنا متأخراً أن الشاب المختفي هو ابن أحد قيادات الأحزاب المسيحية اليمينية.

تذكرتُ هذه الحادثة، بعدما تابعتُ مقابلة على إحدى شاشات التلفزة اللبنانية أعلن خلالها أحد الكتّاب السياسيين "المرموقين" بين هلالين الذين تتم استضافتهم على الشاشات كمنظّر ومحلّل ومراقب، أعلن عدم تعاطفه مع الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي يتعرض له في قطاع غزة والقدس. الكاتب -الذي لايستحق ذكر اسمه- ساوى بين ما تقوم به "إسرائيل" من مجازر وقصف وتدمير وبين ما تقوم به حركة حماس رد للعدوان، مؤكداً أن رفض تعاطفه مع الشعب الفلسطيني يعود إلى أنه مازال يذكر ما قام به "الفلسطينيون" في لبنان خلال الحرب الأهلية، وما زالوا يقومون به حتى اليوم في معسكرات الناعمة وقوسايا والمخيمات وما يشكلونه من تهديد للبنانيين.

أهمية مواقف الكاتب "الجهبذ" لاترتبط بقيمة ما قاله، فلولا إبراز الوسيلة التلفزيونية لموقفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي لما سمع به وبها أحد. أهمية مواقفه تكمن بأن وجهة النظر المعادية للشعب الفلسطيني التي كشف عنها تعبّر عن شريحة من اللبنانيين مازالوا يعيشون بين جدران خطوط التماس، ويحتفظون في قلوبهم وعقولهم بأحقاد لم تنجح أكثر من 45 عاماً من شطبها من ذاكرتهم. ولعلّ هذا الكاتب امتلك شجاعة يفتقدها كثيرون، لم يجرؤوا على البوح بمواقفهم المعادية للشعب الفلسطيني وعدم معاداتهم للكيان الإسرائيلي. وربما لو تكررت ظروف تتيح لهؤلاء للتحالف مع العدو الإسرائيلي كما حصل خلال الحرب الأهلية لما تقاعسوا عن ذلك، رغم المجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في لبنان، ورغم احتلاله جزءاً من الجنوب اللبناني لأكثر من عقدين، ورغم المآسي التي تسبّب بها هذا العدو للشعب الفلسطيني المشرّد في أصقاع الأرض والمحاصر في قطاع غزة، والمهدد بالترحيل والتهميش في أراضي 48، رغم كل ذلك، مازال بعض اللبنانيين لايشعرون بأيّ تعاطف تجاه الشعب الفلسطيني، ولا بعداء تجاه "إسرائيل".

اللبنانيون ليسوا كلهم كذلك، فمن المرجّح أن الذين مازالوا يجترّون أحقاد الماضي ليسوا كثر. فمعظم اللبنانيين يساندون الشعب الفلسطيني في مواجهة ما يتعرض له من عدوان إسرائيلي، ويؤيّدون حركة حماس بكل ما تقوم به، ويبتهلون إلى الله أن يوفّق كل صاروخ يطلقه ذراعها العسكري بإصابة هدفه، بل إن كثيراً منهم يتمنى لو تسنح له فرصة الانضواء في صفوف كتائب القسام والمشاركة في مواجهة الكيان الإسرائيلي.

المؤيّدون للشعب الفلسطيني ليسوا كلهم مخلصين على هذه الشاكلة. ففي لبنان شريحة من الناس يهتفون كل يوم في حبّ فلسطين والسعي لتحريرها والزحف إليها. وقد أطلق هؤلاء أطلقوا على أنفسهم اسم "محور المقاومة" تيمناً بالمقاومة الفلسطينية رغم أنهم منذ أكثر من عقدين لا يقاومون إلا الشعوب العربية المقهورة والمستضعفة، ولا يطلقون الصواريخ إلا لمساندة الأنظمة الظالمة الفاسدة، ويتمدّدون في أكثر من قُطر عربي، ويخوضون المعارك ويسقط من بينهم قتلى وجرحى، لكنهم رغم وجودهم على حدود الكيان الصهيوني الغاصب فإنهم لا يفعلون شيئاً للتضييق عليه. ربما هم لاينافقون ولا يكذبون، فعداؤهم لإسرائيل صريح، ودعمهم للشعب الفلسطيني ومقاومته ملموسة، لكنهم رغم ذلك لايقومون إلا بما ينسجم مع مصالحهم التي ليست دائماً ترتبط بمصلحة الشعب الفلسطيني.

أوّاب إبراهيم