العدد 1514 /1-6-2022

عكست الجلسة الأولى للمجلس النيابي المنتخب مؤشراً عمّا ستكون عليه السلطة التشريعية خلال السنوات الأربع المقبلة هي عمر المجلس. فالأغلبية التي نالتها قوى المعارضة في الانتخابات، والتي تفاءل كثيرون بأنها ستقدم إضافة وتغييراً في أداء السلطة التشريعية بدت لاقيمة لها، في ظلّ أداء هزيل وأحادي قدمته، في مقابل جبهة متراصة ومتحالفة ومتعاونة.

فبخلاف الحديث الدائر عن انتقال الأغلبية النيابية من ضفة إلى أخرى، بيّنت انتخابات رئاسة مجلس النواب ونائبه وأعضاء هيئة المجلس أن حسابات الربح والخسارة لا تتعلق فقط بعدد المقاعد، بل بحسن إدارة التحالفات. فرئيس حركة أمل نبيه بري أعيد انتخابه رئيساً لمجلس النواب للمرة السابعة، ومنصب نائب رئيس المجلس ناله مرشح التيار الوطني الحر، وفاز بمنصب عضو هيئة المجلس مرشح التيار الوطني الحر. وهذا يعني أن جميع المناصب الأساسية المتعلقة بمجلس النواب فاز بها مرشحو الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر رغم أنهم يشكلون أقلية عددية في مجلس النواب. فالضفة الأخرى التي خاضت المنافسة بدت مشرذمة متفرقة، لا اتفاق فيما بينها ولا تعاون، وكان واضحاً منذ البداية أن لا أحد يمكنه خوض معارك في مجلس النواب منفرداً.

ولعلّ ما ساهم بالخلل الحاصل في أداء الأغلبية النيابية وعدم قدرتها على تحصيل أيّ مكسب، تمثل بالنواب الجدد الذين رفعوا لواء "التغيير" وشكلوا كتلة نيابية تبدو متناسقة حتى الآن. الجلسة النيابية الأولى أعطت درساً لهؤلاء النواب، الذين أدركوا متأخرين بأن حرصهم على تميّزهم وتفرّدهم بمواقفهم لن يقدم لهم شيئاً لكنه في المقابل سيمنح الطرف الآخر كل ما يريد.

هؤلاء "التغييريون" حريصون على تطبيق الشعارات التي رفعوها في حملاتهم الانتخابية، وعلى عدم تخييب ظن الناخبين الذين منحوهم أصواتهم، بعدما وعدوهم بتقديم وجه جديد للسلطة في لبنان. لكن على هؤلاء النواب أن يدركوا أيضاً أن قوتهم العددية لن تقدم ولن تؤخر كثيراً في حال استمر عملهم النيابي بعيداً عن أي تحالف مع قوى أخرى، وسيقتصر دورهم في الظهور على وسائل الإعلام وتكرار انتقاد أداء السلطة الذي لم يغيّروا فيه شيئاً. فأهالي شهداء تفجير مرفأ بيروت لن يستفيدوا من رفع النواب "التغييريين" صور أبنائهم في مجلس النواب، وتكرار مطالبتهم باستكمال التحقيق لمعرفة المسؤولين عن حصول الانفجار. في حين أن الأهالي سيستفيدون حتماً إذا ما قدم هؤلاء النواب اقتراح قانون لرفع الحصانة عن الوزراء والرؤساء لتعبيد الطريق أمام محاكمة المسؤولين عن الانفجار، ونجحوا بتأمين تحالفات سياسية مع كتل نيابية أخرى تساهم في إقرار هذا القانون. لن يستفيد اللبنانيون من النواب "التغييريون" إذا كانت "شغلتهم وعملتهم" الشكوى و"النقّ" عبر وسائل الإعلام من الانهيار الاقتصادي وفساد السلطة وإفلاس المصارف وتراجع الخدمات. فلا ينقص اللبنانيين من يشكو و"ينقّ" وينتقد، ينقصهم من يفضح فساد السلطة ويكشف الأطراف التي ساهمت في الانهيار الاقتصادي وسرقت ونهبت وهرّبت أموالها إلى الخارج، وهذا لايكون بالتصريحات والمواقف عالية النبرة التي عوّدنا عليها هؤلاء النواب عبر وسائل الإعلام قبل ترشحهم للانتخابات، بل يكون بممارسة ضغط حقيقي داخل مجلس النواب يؤدي لتتبع الأموال التي تهريبها من المصارف وكشف هويات أصحابها، ورصد ملف الكهرباء والفساد الذي يحيط به، وملاحقة الخطة الاقتصادية للحكومة..

ما يجب أن يتغيّر هو أداء هؤلاء التغييريين، بأن يدركوا بأن التغيير الذي يرفعون لواءه لايكون بالشعارات ورفع الصور والعراضات في مجلس النواب. فهذا الأداء كان مقبولاً منهم قبل دخولهم قبة البرلمان. أما اليوم وبعدما نالوا ثقة الناس وباتوا يتمتعون بحصانة نيابية، فهم مطالبون بالإنجاز وتحقيق المكتسبات، وتقديم البديل الحقيقي الذي وعدوا به اللبنانيين.

أوّاب إبراهيم