العدد 1463 /26-5-2021

كلما صدر عن حركة حماس موقف إيجابي تجاه إيران، تواجه الحركة عاصفة من الانتقادات والاتهامات. بعد وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والصمود الأسطوري الذي قدّمه القطاع ونجاح حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى في تكريس توازن رعب جديد مع الاحتلال، كان لازماً تقديم الشكر لكل من كان له دور في تحقيق الانتصار والصمود، ومن بين هؤلاء إيران. ردة الفعل هذه المرة لم تكن بالحدّة التي عليها العادة. فكما يبدو أن شريحة واسعة من المنتقدين اقتنعت بدور إيران في دعم المقاومة الفلسطينية، وباتت "تبلع" شكر حماس لإيران وتتفهمه.

الجديد هذه المرة أن مسؤولين في حركة حماس لم يكتفوا بشكر إيران بل أبدوا -بدون مناسبة- تقارباً وودّاً تجاه النظام السوري ورئيسه بشار الأسد الذي لم يسمع أحد بأنه قدّم دعماً أو مساندة للمقاومة الفلسطينية منذ أكثر من عقد من الزمن. على العكس، فمنذ خروج حركة حماس من سوريا عام 2012 كان خطاب النظام السوري ورئيسه سلبياً تجاه الحركة ومعادياً لها، وهذا دفع كثيرين للتساؤل عن المصلحة من التقارب والودّ اليوم، وما هو الحرج الذي تشعر به قيادة الحركة تجاه هذا النظام الذي انشغل طوال سنوات بقتل شعبه ولم يقدم شيئاً للمقاومة في فلسطين؟. فكما كان يحصل مع إيران، شنّت شريحة واسعة من جمهور حركة حماس ومؤيديها، خاصة من السوريين هجوماً قاسياً ولاذعاً وحاداً تجاه المسؤولين في الحركة، لاسيما الذين عبّروا عن رسائلهم الإيجابية تجاه النظام السوري ورئيسه.

الواضح أن قرار التقارب مع النظام السوري وتوجيه التحيات ورسائل الودّ لرئيسه لم تكن زلّة لسان من قيادي أو اجتهاد من مسؤول، بل قرار لدى قيادة الحركة، وان كان بعض من وجّه الرسائل زاد من جرعة الودّ والإيجابية تجاه هذا النظام. ولو لم يكن الأمر كذلك، لصدر توضيح أو نفي أو تصحيح من قيادة الحركة، لكن ذلك لم يحصل.

أزمة الساخطين على مواقف حماس تجاه النظام السوري ترتبط بما ارتكبه -ومازال- هذا النظام بحق شعبه. فكيف لحركة مقاومة ترفع لواء تحرير فلسطين والدفاع عن الأقصى أن تضع يدها بيد "مجرم" قتل عشرات الآلاف وعذّب واختطف وشرّد مئات الآلاف. إذا تمّ اعتماد هذه القاعدة، فربما كان يجب أن نسمع سخطاً وانتقاداً بعد عودة الدفء للعلاقة بين حركة حماس والنظام المصري الذي نفذ انقلاباً عسكرياً أطاح برئيس منتخب وقتل المئات من أبناء الحركة الإسلامية في مجزرة رابعة، ويعتقل الآلاف من خيرة الشعب المصري في سجونه. ففي كل مناسبة تتوجه قيادة حماس بالشكر للقيادة المصرية، خاصة بعد دورها في التهدئة ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. لكننا لم نسمع انتقادات من مصريين لحماس على هذا الأداء، رغم أن ما ارتكبه النظام المصري بحق الإسلاميين بعد الانقلاب العسكري لا يقلّ بشاعة ودموية عمّا يرتكبه النظام السوري بحق شعبه. فلماذا تفهّم المصريون موقف حماس وأحسنوا الظنّ بهم فيما لا يتفهّم آخرون هذا الموقف؟!.

الولايات المتحدة قدمت دعماً ومساندة للمعارضة السورية في مواجهة النظام بطريق مباشر أو من خلال بعض دول الخليج، علماً أن الولايات المتحدة قتلت آلاف المسلمين في أفغانستان والعديد من البلدان الأخرى، وهي الداعم الأكبر لـ"إسرائيل". فكيف سكت عن تعاون المعارضة السورية مع واشنطن وقدّر الحاجة إليها، فيما مرفوض على حماس التعاون مع قوى تعتقد ترى مصلحتها معها؟!. كيف يمكن قبول التعاون مع نظام يقتل الصحفيين المعارضين له، أو آخر يطبّع مع "إسرائيل" ويسعى لخنق المقاومة الفلسطينية، أليسوا هؤلاء مجرمين أيضاً؟.

الإشكالية التي أثارتها الانتقادات الموجّهة لحماس دفعت للتساؤل حول الضابط في تحديد العلاقة مع الآخرين. فما هو المعيار الذي يمكن من خلاله معرفة الضابط الأخلاقي والشرعي الذي يسمح ببناء العلاقة مع الآخرين. هل هو مرتبط بحجم الجرائم، أو نوعيتها، أو حداثتها أو ماذا. اعتماد المعيار سيوفر الكثير من الطاقة على الذين يستهلكون أوقاتهم في انتقاد شرفاء الأرض، فقط لأن هؤلاء الشرفاء يسعون لبناء علاقة مع جهات لا تروق لهم.

أوّاب إبراهيم