العدد 1548 /1-2-2023
أواب ابراهيم

فاجأ المحقق العدلي في قضية مرفأ بيروت طارق البيطار المشهد السياسي بقراراته، وترك للآخرين تقليب الأسباب التي أملت عليه الأخذ بحصيلة حساباته. قضية مثل قضية تفجير المرفأ، لا تسمح لقاض، أو لجهة بمفردها، اتخاذ قرار الإقدام المفاجئ، لأن للأمر مسؤولياته، وللموضوع تبعاته. لكن القاضي أقدم، متسلحاً بمطالعة قانونية، وبدا مصرّاً على تنفيذ أحكام مطالعته، وغير عابئ بما جوبه به من مطالعات.

تستحق خطورة الإجراء الذي قام به المحقق العدلي متابعة دؤوبة، لكن ملاقاة بواكير الخطوة بمطولات، ستكون من قبيل الرجم بالغيب، ومن صنف الرمي بالاحتمالات والظنون.

هل تحرّك القاضي البيطار، بعد طول كمون، مدفوعاً بواجب طلب الحقيقة، كتمهيد لإحقاق العدالة؟ إذا كان جواب القاضي المكلّف بالإيجاب، فهذا يعني أنه بات عارفاً بمعالم الطريق الموصلة إلى النقطة الأخيرة من المسير، وأنه على يقين غالب، بقدرة الوسائل التنفيذية على تحويل الظن الاتهامي إلى ملموس واقعي، يتجسد في إنفاذ أحكام القانون.

التخبط القضائي الذي أنتجته استفاقة طارق البيطار كانت تستدعي تحركاً من الجهات القضائية العليا. لكن رئيس رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود يرفض حتى اليوم عقد اجتماع لمجلس القضاء الأعلى، لأنّه يعتبر أنّ غالبية أعضائه من القضاة مناوئين للقاضي بيطار، وأقرب إلى التوجه الذي يسير فيه المدّعي العامّ التمييزي غسان عويدات. لذلك لم تعد القصّةُ مرتبطة باجتماع مجلس عصيّ على الانعقاد، فاجتماعه يعني توسّع رقعة الانشقاق في صفوف القضاء ورفض عبّود بشكل مطلق أيّ صيغة توقف عمل البيطار.

يسلك المسار القضائي وفق هذه التطوّرات مزيداً من التعقيد طالما أن لا أفق لأيّ تسوية منتظرة، فيما يُستبعد أن يرفع رئيس مجلس القضاء الأعلى توصية لوزير العدل بعزل البيطار. وهذا ما سيؤسّس عليه المحقّق العدلي ليعتبر أنّ وضعه قانونيّ يخوّله مواصلة عمله مزوَّداً بجرعة دعم سياسية تمثّلت في الموقف الذي صدر عن البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد، حين شدّد على ضرورة مواصلة التحقيقات في قضية المرفأ.

في المقابل.. يستكمل القاضي غسان عويدات خطوات كفّ يد البيطار، وهو بذلك يريد توجيه رسالة للبيطار ولكل اللبنانيين عموماً، بأن أيّ مسّ برموز السلطة سيؤدي إلى إغلاق ملف التحقيق نهائياً.

المعركة اليوم باتت مباشرة بين مدعي عام التمييز، الذي يترأس جميع النيابات العامة، والمحقّق العدلي في ملف المرفأ، ويستند كل منهما إلى تفسيرات قانونية خاصة به. ففي نظر القاضي عويدات، يعتبر البيطار مكفوف اليد "بحكم القانون". أما في نظر البيطار، فإنه يتمتّع بسلطة مُطلقة في الملف، وبات الملف مرتبطاً به، بقوله أمام مراجعيه، إن "شخص المحقق العدلي مرتبط بالقضية التي ينظر فيها، فإذا أقيل المحقق العدلي تنتهي القضية".

السجال القضائي والضبابية التي تسيطر على قصر العدل في لبنان، ليسا سوى انعكاس لما يُهيمن على لبنان من فوضى وانهيار. وانحلال القضاء الذي ظهر في ملف انفجار مرفأ بيروت، امتدّ إلى أماكن أخرى. فقد أخلى قاض آخر سبيل 13 موقوفاً في ملف النافعة، وهو ملف يشكل أحد أكبر ملفات الفساد التي كُشفت مؤخراً في لبنان. وهناك تخوف من أن يستمر هذا المسار وأن يمتد لقضاة آخرين، فتنحلّ السلطة القضائية وتتهاوى قصور العدل، وتنتهي آخر مؤسسات الدولة التي كان يراهن عليها البعض للنهوض من جديد.

أوّاب إبراهيم