العدد 1512 /18-5-2022

شهد لبنان يوم الاحد الماضي عرسا ديموقراطيا بكل مافي الكلمة من معنى حيث اقترع اكثر من اربعين في المئة من اللبنانيين في مختلف المحافظات اللبنانية لاختيار مجلس نيابي جديد سوف تقع عليه مهام جسام في الفترة القادمة ، ولعل ابرز هذه المهام هي اعادة اللحمة الوطنية بين اللبنانيين التي تآكلت طوال السنوات الماضية بفعل مواقف وسياسات اوصلت لبنان الى جهنم على كل الصعد ولاسيما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي الذين يمثلان الخطر الاكبر على استقرار لبنان وازدهاره ، حيث من المفترض ان يكون المجلس النيابي الجديد بكل قواه واحزابه وشخصياته السياسية الدعامة الاولى في مسيرة التغيير وانقاذ لبنان.

ولعل السمة الاولى لهذا المجلس النيابي الجديد هي سمة التوازن بين مختلف القوى والاحزاب اللبنانية التي كانت غائبة في المجلس النيابي القديم ، اضافة الى وجود تمثيل وازن لقوى التغيير والمجتمع المدني التي كان لها دورا بارزا في انتفاضة 17 تشرين اول 2019 والتي تحمل توجهات وافكارا جديدة بعيدة كل البعد عن سياسات الاركان الاقوياء في الطوائف التي كانت سائدة سابقا وادت الى ما ادت اليه من تحول لبنان من بلد مزدهر الى بلد يستجدي المساعدات وهو ما اكده تقرير صادر عن الامم المتحدة اصدره المقرّر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر، بعد زيارته لبنان في تشرين الثاني 2021، قال فيه إنّه يتعيّن "أن يغيّر لبنان مساره"، وأضاف التقرير، "يمكن عكس اتجاه البؤس الذي حلّ بالسكان بقيادة تضع العدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة في صميم أعمالها".

وبحسب التقرير، فإنّ "الدولة اللبنانية، بما في ذلك مصرفها المركزي، مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإفقار غير الضروري للسكان، الذي نتج من هذه الأزمة التي هي من صنع الإنسان" وكان "يمكن تجاوزها بالكامل".

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل تشكل نتائج المجلس النيابي الجديد فرصة لخروج لبنان من ازماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ؟

النظرة الاولى لنتائج الانتخابات النيابية في مختلف المحافظات اللبنانية تعطي نظرة ايجابية لصورة المجلس النيابي الجديد وهذه الصورة تعطي املا بالتغيير نحو الافضل في الفترة القادمة وذلك للاسباب التالية:

اولا : اسفرت النتائج عن وصول قوى وشخصيات جديدة الى المجلس النيابي تملك رؤية تغييرية ومواقف سياسية مختلفة عن القوى التي كانت ممثلة بالمجلس النيابي السابق وهذا العامل مهم جدا في الفترة القادمة التي ستشهد مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من اجل مساعدة لبنان.

ثانيا : صفة التوزان السياسي هي السمة البارزة للمجلس النيابي الجديد حيث تتمثل مختلف القوى والتوجهات السياسية والاجتماعية وهذا العامل له اكبر الاثر في الحياة السياسية اللبنانية حيث كلما غاب التوازن السياسي في لبنان دخل لبنان واللبنانيون في حروب اهلية وصراعات طائفية ولذلك فان صفة لاغالب ولامغلوب التي تطبع المجلس النيابي الجديد ، هي افضل وصفة لانقاذ لبنان.

ثالثا: وهذا العامل هو الاهم ان المجلس النيابي الجديد لا توجد فيه ما كان يسمى في المجلس النيابي السابق "الاقوى في طائفته" ، والذي ادى الى حصول تسويات سياسية على حساب لبنان واللبنانيين ومستقبل ابنائهم ، وادت الى خراب لبنان على كل الصعد والى توترفي علاقاته مع الدول العربية والمجتمع الدولي.

لكل هذا العوامل وغيرها يمكن القول ان المجلس النيابي الجديد الذي ستكون من مهامه تشكيل حكومة جديدة ، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بدلا من الرئيس عون الذي تنتهي ولايته في الثلاثين من شهر تشرين اول القادم، المجلس النيابي الجديد بتشكيلته الجديدة المتوازنة سياسيا وشعبيا يمكن ان يشكل فرصة جدية لخروج لبنان من ازماته. فهل تصدق هذه التوقعات ؟ نأمل ذلك لأن لبنان واللبنانيون لم يعودوا قادرين على تحمل حجم الازمات التي اصبحت تهدد وجودهم ومستقبل وطنهم.

بسام غنوم