العدد 1460 /5-5-2021

تمكنت الولايات المتحدة من إحداث خرقٍ على مستوى المفاوضات التقنية غير المباشرة حول ترسيم الحدود البحرية جنوباً بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، مع اتجاه إلى استئنافها الأسبوع المقبل، أي مطلع أيار، بعد تعليقٍ مضى عليه أكثر من ستّة أشهر.

ويؤكد مصدرٌ رفيعٌ في قيادة الجيش اللبنانيأنّ لبنان تبلغ بوجود عملٍ جديٍّ بادر إليه الوسيط الأميركي في الملف لاستئناف المفاوضات التي توقفت عند الجولة الرابعة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بيد أن المسألة لم تُحسَم بشكل نهائي، ولا سيما لناحية التاريخ والتوقيت اللذين لم يصر إلى تحديدهما بعد.

واستبدلت الجولة الخامسة، التي كانت محددة في 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، بلقاءٍ مستقل ثنائي، أي بين لبنان والوسيط الأميركي من جهة، وآخر مماثل بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، وحصلت محاولات عدة ومشاورات لاستئناف المفاوضات قادتها الولايات المتحدة، إضافة إلى لقاءات بين الرئيس اللبناني ميشال عون والوفد المفاوض برئاسة العميد الركن الطيار بسام ياسين، تحضيراً للجولات المقبلة، بيد أنّ التوقف كان سيّد المشهد نظراً للخلافات العميقة في مواقف الطرفين، وتمسك العدو برفضه المساحة التي يطالب بها لبنان، والتي تتجاوز الـ860 كلم مربع، واعتباره أن الوفد اللبناني يغيّر في مواقفه لحدّ الاستفزاز.

وكسرت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هايل الأخيرة إلى لبنان، في 15 إبريل/نيسان الجاري، الجمود الحاصل. وقد أعلن الزائر الأميركي صراحةً، خلال لقائه الرئيس عون في قصر بعبدا الجمهوري، استعداد أميركا لتسهيل المفاوضات بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي حول الحدود البحرية جنوباً، والإتيان بخبراء للمساعدة في هذا الملف.

في المقابل، لم يطرأ أي تطور على صعيد تعديل المرسوم 6433– تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، وفق ما تؤكد مصادر الرئاسة اللبنانية لـ"العربي الجديد"، حيث إن الرئيس عون لم يوقع عليه بعد.

وكما بات معروفاً، فإنّ هذا التعديل من شأنه أن يصحِّحَ حدود لبنان البحرية، بحيث ينتهي الخط الجنوبي عند نقطة 29 التي ستتحول إلى نقطة التفاوض بدلاً من النقطة 23 قبل التعديل، ما يضيف 1430 كلم2 إلى المساحة السابقة 860 كم2 التي كان الخط 23 قد فرضها.

ووضع عدم توقيع الرئيس عون تعديل المرسوم في إطارين، الأول قانوني ودستوري، والثاني سياسي بحت، وهو الاحتمال الأكثر تناقلاً في الأوساط السياسية، بحيث يتهم الرئيس اللبناني، ولا سيما من قبل معارضيه، بأن رفضه التوقيع أتى قبل زيارة هيل للبنان بساعاتٍ، وهو تقصّد ذلك علّه يستخدم الملف في إطار تسوية أو صفقة ثنائية تعيد إصلاح العلاقات بينه وبين الأميركيين، وخصوصاً مع صهره المعاقب أميركياً وشبه المعزول عربياً ودولياً، رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل.

ويوضح العميد المتقاعد خليل الحلو بدايةً، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّه "علمَ من قنوات مستقلة ومطلعة على الملف أن إسرائيل غير مهتمة بالمفاوضات ومواصلة الاتفاق مع لبنان، وهي ستقوم بما تراه مناسباً بالنسبة إليها، سواء رغب الوفد اللبناني بذلك أو رفضه، وهي تعرف أنها تمتلك قوة ردع عسكرية لمواجهة أي عمل ضدها انطلاقاً من لبنان، سواء قام به حزب الله أو أي طرف آخر".

ويشير إلى أنّ "الحديث عن استئناف المفاوضات أتى بعد جولة الموفد الأميركي ديفيد هايل، حيث إن الأميركيين مهتمون بذلك كثيراً بهدف الإبقاء على مسار التهدئة، وهو أساسٌ عندهم، ويصب في الوقت نفسه في مصلحة لبنان، لناحية أن لا يكون الترسيم سبباً لأي اعتداءات إسرائيلية أو ممر لاستعمال لبنان منطقة للرماية على إسرائيل".

ويرى العميد المتقاعد أن "توقيع تعديل المرسوم أو لا لن يؤثر على المفاوضات، وهو أمرٌ ثانويٌّ، لأن كل المستندات الموقعة والدولية تسمح للبنان بأن يطالب بحقوقه لو بعد مئة عام، وبالتالي بمساحةٍ أكبر، علماً أنني ورغم الضغط الأميركي الحاصل لا أرى أن أي نتيجة جدية ستظهر".

وعن رفض الرئيس عون التوقيع، يقول الحلو: "وضع لبنان سيئ كثيراً مع العالم الحرّ، أي الخارج، بسبب وجود حزب الله وسلاحه، ونتيجة العقوبات التي تفرض عليه وعلى إيران و(محور المقاومة)، والذي طاول أيضاً حلفاءه، وبالتالي فإنّ هناك جدلية قانونية في ما خصّ توقيع تعديل المرسوم قد لا تنتهي كحال غالبية الملفات والاستحقاقات، ولكن برأيي، السبب هو سياسي أكثر، وقد يكون مرتبطا بمحاولة الرئيس عون الإبقاء على حدٍّ أدنى من العلاقات مع الولايات المتحدة، خصوصاً أنه أتى قبيل زيارة هيل"، آسفاً، في السياق، لـ"إدخال ملف تقني علمي بحت بالزواريب السياسية الضيقة، وتحويله إلى مادة يفسرها كل طرف تبعاً للواقع السياسي الذي يناسبه".