العدد 1539 /30-11-2022
بسام غنوم

يبدو ان انشغال الشعب اللبناني والعالم بمباريات كأس العالم الجارية في قطر أعطى الطبقة السياسية اللبنانية فرصة غير مسبوقة من أجل اعادة النظر في حساباتها السياسية اولا ، وسمح للسلطة السياسية ولرئاسة الحكومة ان تتخفف من مسؤوليتها تجاه الشعب اللبناني ثانيا ، خصوصا مع الكوارث الكبيرة التي اظهرها سقوط الامطار في الايام القليلة الماضية حيث لم تكلف وزارة الاشغال نفسها عناء الحديث عن ما جرى في الطرقات الرئيسية من حوادث ورتفاع في منسوب مياه الامطار ، فيما رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي و الطبقة الحاكمة منصرفون الى فرض ضرائب ورسوم جديدة على كاهل الشعب اللبناني عبر رفع قيمة الدولار الجمركي من 1500 ليرة لبنانية الى 15000 ليرة لبنانية دفعة واحدة ، بحجة تأمين مداخيل تكفي لتغطية رواتب موظفي القطاع العام ومصاريف الحكومة ، وكأن الشعب اللبناني الذي يعاني الامرين من الازمة الاقتصادية الخانقة قادر على على الاستمرار في هذا النهج المدمر الذي تسير به قوى السلطة والتي لا تبالي بالمخاطر التي تتهدد لبنان في حال استمرت الامور على ما هي عليه ، وهو ماحذر منه أحد السفراء الاوروبيين امام احد كبار السياسيين، حيث تحدث عن معطيات وصفها بالخطيرة جداً، خلاصتها الخوف من تطورات دراماتيكية تهدّد الاستقرار في لبنان على كل المستويات، ولا تستثني حتى المستوى الأمني. ونقل عنه قوله ما حرفيته: "وضع لبنان بات يشبه حافلة بلا سائق، تسقط بركابها من أعلى منحدر الى جرف عميق، لبنان في واقعه الراهن امام سيناريوهات مقلقة، وبالتالي لا بدّ من عمل لبناني سريع لتداركها".

وهنا يطرح السؤال التالي : لعبة الفراغ التي تمارسها الطبقة السياسية الحاكمة والقوى السياسية الاخرى، هل تسقط لبنان في الهاوية ؟

اثار مشهد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في قطر حيث يشاهد مباريات كأس العالم من مدرجات الvip الكثير من التساؤلات حول جدية القوى السياسية اللبنانية في البحث عن مخرج لازمة الفراغ الرئاسي ، واكد حضور باسيل في ملاعب قطر لمشاهدة مباريات كأس العالم ان الرجل ومن يدعمه سياسيا غير عابئين في التوصل الى حل قريب لمشكلة الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية ، وان الجلسات التي تعقد في المجلس النيابي من اجل انتخاب رئيس للجمهورية كل يوم خميس انما هي مجرد جلسات فولكلورية لتمضية الوقت امام شاشات التلفزيون اسبوعيا ، ولاستعراض قدرات هذا الفريق اوذاك للتعطيل حتى يصل اللبنانيون الى حالة من التسليم بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية كيفما كان ، حتى يخرجوا من هذا المنحدر السحيق الذي اوصلتهم اليه الطبقة السياسية في لبنان.

ومع ان لعبة الفراغ السياسي مسؤول عنها فريق السلطة ، الا ان الفريق الآخر المعارض وما يسمى بالقوى التغييرية في المجلس النيابي شريك مباشر في لعبة الفراغ حيث يرفض هذا الفريق توحيد صفوفه بحجة التنوع في المواقف السياسية ، فيما الوقت لايسمح بهذا الترف السياسي الذي تمارسه قوى المعارضة لأن ما يعيشه اللبنانيون خطير وخطير جدا حيث ان الامور اذا استمرت على ما هي عليه الآن من الممكن ان تنحدر الى حالة من التفلت الامني تقضي على ما تبقى من صورة الدولة في لبنان التي اصبحت شبه غائبة عن حياة اللبنانيين ، وهذا الواقع هو ما تحذر منه الجهات العربية والدولية المهتمة بالشأن اللبناني وكلام احد السفراء الاوروبيين عن ان "وضع لبنان بات يشبه حافلة بلا سائق، تسقط بركابها من أعلى منحدر الى جرف عميق، لبنان في واقعه الراهن امام سيناريوهات مقلقة، وبالتالي لا بدّ من عمل لبناني سريع لتداركها" ، يؤكد ذلك وهو كلام ردده أيضا اكثر من مسؤول عربي ودولي ومع ذلك لا تبدي القوى الممسكة بالقرار السياسي في لبنان اي التفاتة الى هذا المواقف والتصريحات بل تكتفي بتكرار مواقفها التي تؤكد ان سياسة الفراغ هي المفضلة عندها لحين استسلام القوى المعارضة لها وهو ما كشفه عضو المجلس المركزي في "حزب الله" الشيخ نبيل قاووق الذي قال ان قوى المعارضة "جربوا في المجلس النيابي سبع مرات أن ينتخبوا رئيس مواجهة وتحد وفشلوا وقد آن الآوان أن يقتنعوا بأنهم غير قادرين على إنتخاب رئيس مواجهة لأن هذا المنطق وصل إلى طريق مسدود فكفى عنادا، وعليهم أن يتقبلوا حقيقة أن البلد يحتاج إلى حوار وتوافق وطني وهو الطريق الأضمن لإنتخاب رئيس للجمهورية".

والحوار الذي يقصده "حزب الله" هو الموافقة على انتخاب رئيس جديد يكون امتددا لعهد الرئيس عون الذي اوصل لبنان الى الدمار ، والا فإنه والقوى السياسية الحليفة له غير مستعجلة على انتخاب رئيس جديد للجهمورية وها هو الحليف المسيحي الاول ل "حزب الله" النائب جبران باسيل في قطر مشغول بمباريات كأس العالم.

بالخلاصة يمكن القول ان سياسة الفراغ والمماطلة ولعبة الاوراق البيضاء التي تتبعها قوى السلطة والتي تقف امامها عاجزة قوى المعارضة سوف تؤدي الى مزيد من الخراب والدمار في لبنان ، وقد تسقط لبنان في الهاوية السحيقة .

بسام غنوم