العدد 1535 /2-11-2022

تتجاور في لبنان كواكب عديدة. تسمع مثلاً عن "كوكب أم تي في". و"أم تي في" قناة تلفزيونية خاصة معروفة ببرامج موجّهة إلى فئة من البشر لا يستطيعون إلى النوم سبيلاً دون معرفة كيف يأكلون بالشوكة والسكين من دون أن يُسمعوا معازيمهم أي طرطقة تُفسِد آداب المائدة. أولوية هؤلاء اليومية المطلقة اختيار ألوان ثيابٍ تناسب مزاج مديرهم في العمل، فلا صوت يعلو فوق صوت إتيكيت المجتمع وطبقيته. ثم هناك "كوكب أن بي أن". تلك أيضاً قناة تلفزيونية خاصة تابعة لحركة أمل. وما أدراك ما حركة أمل. على ذاك الكوكب، يمكن مشاهدة عجائب يجترحها نبيه برّي يومياً، وشتائم سوقية لخصومه من الصنف الذي لا يُتوقع أن تخرج بهذه الانسيابية من فم مذيع/ة إلى أذن المشاهِد/ة. كوكب حزب الله وقناته "المنار" بحاجة لمؤلفات سميكة لا مجرد تعليق عابر، فهما بالتالي مستثنيان من الكواكب المتطرَّق إليها في هذه العجالة. أما "كوكب أو تي في"، القناة الخاصة للتيار الوطني الحر ومؤسسه ميشال عون وخليفته جبران باسيل، فربما يكون مؤهلاً لنيل لقب أمّ الكواكب لمدى انفصاله عن الواقع اللبناني الذي يجدر بأي قناة محلية أن تعكسه، بشيء من الجدية، اعتراضاً أو تأييداً أو محاولةً لتغييره، لكن شرط أن تعكسه أولاً، لا أن تخترع واقعاً متخيلاً لا قدمين له تطآن الأرض، وتجهد لإقناع مناصريها بأنهم يعيشونه ولو أنهم لا يدرون. على شاشة "أو تي في" تُختصر الحالة العونية بكل الإعجاز عن فهم أخلاقها ومنطقها وغرائبيتها. فقط في وسائل الإعلام العونية، تسمع وتقرأ عن انهيار الدولار في مقابل الليرة اللبنانية حين يصدف أن تصبح قيمة الدولار الواحد 38 ألف ليرة بدل 40 ألفاً بعدما كانت قيمته 1500 قبل "العهد القوي". والانتقال من استخدام مصطلح "الكوكب" إلى "الحالة"، في السياق العوني، يفرض شيئاً من الجدية، فالعونيون في النهاية حالة وازنة في البلد، لديهم كتلة نيابية كبيرة (21 نائباً مع حلفائهم)، ولفهم سرّ استمرار شعبيتهم، لا ينفع القول إنّ السبب الحصري هو تحالفهم مع حزب الله والنظام السوري. مجموعة كبيرة من الأسباب الطائفية والسياسية والشعبوية والتاريخية والاجتماعية والنفسية تتيح فهماً واقعياً لا مبالغة فيه ولا انتقاص للظاهرة العونية. لكن فهم سلوكها في محطات معينة، مثل الذي أظهرته لدى مغادرة ميشال عون قصر الرئاسة في نهاية ولايته يوم الأحد الماضي، يختزل كل معاني الإعجاز عن الاستيعاب.

احتفل العونيون في استعراضات متنقلة بنهاية ولاية رئيسهم. منسوب سعادتهم كان مستفزاً. باتوا ليلتهم على الطرقات وفي ساحات قريبة من قصر بعبدا الرئاسي. أسعفهم حال الطقس دون أن يسعفنا العقل في فهم سبب بهجتهم بولاية من ست سنوات هي، موضوعياً وبالأرقام والوقائع والأحداث، الأسوأ في تاريخ لبنان، وبعض محطاتها كانت ألعن من سنوات عديدة عرفتها الحرب الأهلية، وذلك بشهادة رئيسهم إياه الذي سمح لنفسه عام 2020 بـ"مصارحة" اللبنانيين بأنهم "ذاهبون إلى جهنم". بمَ يحتفل العونيون بالتحديد؟ ما مصدر قهقهاتهم هذه حقاً؟ هل يكفي تصديق أكاذيب زعمائهم بأن الآخرين لم يدعوهم يعملون، مع أنهم قوة أساسية في السلطة منذ 2015، لإعفائهم من مسؤولية أساسية في الخراب الشامل؟

ادعاء امتلاك أجوبة عن الأسئلة المطروحة أعلاه يحتمل مخاطرة عالية. الجواب الأكثر منطقية أن الحالة العونية، في أوجه كثيرة، عصيّة على الاستيعاب. كذلك عصيّ على الاستيعاب كيف يمكن أن يتفاخر عونيّ بأن رئيسه هو صاحب حِكَم كتلك التي أتحفنا بها ميشال عون في مقابلة على قناة "المنار"، في 29 تشرين الأول الماضي، يقول فيها:

ــ أحب شجرة السنديان لأنّها ترمز إلى المدرسة الأولى حيث تعلّم أجدادنا. ــ أحب شجرة الزيتون لأنّها تعطي الغذاء، وهي رافقت أجدادنا منذ العهد القديم ولا تزال ترافقنا اليوم.

يبقى السؤال: هل تستحق الحالة العونية أفضل من ميشال عون؟