العدد 1367 / 26-6-2019
للدكتور حسين عطوي

إيران تتقن لعبة المصالح جيدا. ولا تترك الأمور تصل بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية إلى نقطة اللا عودة.

ذروة الرد الإيراني إسقاط الغلوبال. لأنها تريد أن تقول لامريكا ان العقوبات قاسية جدا وستضر بلعبة المصالح على المدى المتوسط وهذا غير مقبول. وعلى إدارة ترامب أن تعدل اللعب لما فيه مصلحة الطرفين.

بالنتيجة فان الخاسر الأكبر هم العرب عموما ودول الخليج خصوصا والسعودية بشكل أخص. فيما الإمارات تستطيع إعادة رسم سياستها وفق التطورات لأنها حصان طروادة للأقوياء في المنطقة. ومصالحها من مصالح إيران في كثير من التقاطعات الاقتصادية خاصة.

إيران منذ الاطاحة بالشاه رفعت شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل. وقدمت فعلا في الصراع مع إسرائيل في لبنان نموذحا داعما واستطاعت أن تكسب من هذا الشعار تعاطفا عربيا عاد عليها بمردود ايديولوجي كبير جدا تمثل في وإيجاد مجموعات تنفذ السياسة الإيرانية في معظم دول الاقليم. فأكسبها قدرة على المناورة مع الولايات المتحدة الأمريكية وضغط على الدول المحيطة بها. واعتمدت استراتيجية النفس الطويل لتحقيق أهدافها الخاصة بعيدا عن الشعارات المرفوعة. والتي تبين عدم صحتها في الآونة الأخيرة من خلال تصريحات عدد من المسؤولين بينهم المرشد السيد علي الخامنئي الذي صرح بأن بلاده لا تريد عداء مع أحد. وأردف ذلك بنظرية تذويب إسرائيل بدون حرب. والتي سبق وطرحها أنور السادات في مطلع الثمانينات ضمن سعيه وتبريره للاتفاق مع العدو..

المطلوب ان لا يعيد التاريخ الأسود نفسه. فإيران لن تكون أقوى وأوسع تمددا من الدولة الفاطمية التي سيطرت في شمال أفريقيا ردحا من الزمن وتمددت لمصر ثم لبلاد الشام بنفس طريقة تمدد إيران اليوم وكان لها نفوذ في بغداد عاصمة الخلافة العباسية نفسها. لكنها زالت لأنها عادت محيط أكبر وأكثر منها رسوخا في المنهج والتاريخ.

إيران تمثل الشيعة اليوم بشكل لا لبس فيه. وتحمل لواءهم وتدغدغ أحلامهم بدولة قوية تهيمن على كل من حولها. والشيعة حول العالم التفوا حولها يستمدون منها العزم والمعنويات. والمسلمون السنة لا دولة لهم تحمي بيضتهم وترفع من شأنهم فالعالم العربي مفكك ومرجعيته الفكرية غير ثابتة على الإطلاق. ويفاخر بعضهم (وزير الثقافة الإماراتي أنور قرقاش) بأن بلاده جندت السلفية والصوفية لضرب الإخوان المسلمين. والسعودية التي حملت لواء الدعوة الوهابية خلال ما يزيد عن قرن تنفض يدها منها اليوم. ومصر تتفاخر بعلمانيتها ومعها الجزائر وتونس. وبقية العرب أضعف من أن يواجهوا. والعراق يحتاج لسياسة دقيقة جدا للحفاظ على الهوية والمصالح والنسيج الاجتماعي المهدد..

الولايات المتحدة الأمريكية تدرك جيدا ومعها العالم الغربي هذه الصورة القاتمة للعالم الإسلامي. وتعمل للاستفادة من الأزمات التي تعصف بالمنطقة. لذلك نراها رابحة على الدوام. فعندما تدخلت إيران في سورية دخلت السعودية على الخط المقابل بدعم مدفوع من الولايات المتحدة الأمريكية. والتقطت إيران الإشارة وقامت بخطوة أخرى تزيد من تقاطع مصالحها مع الولايات المتحدة الأمريكية بتدخلها في اليمن وتهديد الأمن القومي السعودي بشكل مباشر. فاندفعت الأخيرة للارتماء أكثر في أحضان واشنطن. وتوقيع عقود تسليح فاقت المئة مليار دولار اتبعتها بعقود أخرى بأربعمئة مليار. وهذا مبلغ خيالي في سجل العلاقات التجارية بين الدول.

العقل الواعي هو الوحيد القادر على إخراج المنطقة من الحريق الكبير الذي ينتظرها. فلا العرب يمكنهم العويل على أمريكا لتعينهم على إيران. ولن تضرب الولايات المتحدة الأمريكية إيران إلا بالقدر الذي يحقق مصالحها_ هذا إذا ضربتها_ ولا السنة يمكنهم إنهاء الشيعة ومحوهم من الوجود. ولا إيران مهما بلغت قوتها وتمددت أذرعها تستطيع أخضاع عالم أكبر منها بكثير. وهو اليوم في أشد حالات ضعفه. وقد يستمد قوته سريعا إذا ما حصل أي تحول في دولة سنية وازنة. (نموذج مصر خلال عام واحد من حكم الشهيد محمد مرسي). ولا ننسى أن تركيا كدولة محورية في المنطقة والعالم الاسلامي تعود تدريجيا لتلعب دورا وازنا ورافعة قد تغير مجرى الأحداث برمتها..

الجميع يجب أن يدرك أنه محكوم بالعيش المشترك في منطقة مسلمة بخليط من المذاهب المصنفة فقهيا إسلامية .

وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يهمها من يحكم إيران بقدر ما يهمها أن تبقى إيران دولة تؤمن مصالح أمريكا الاقتصادية. وإيران الشاه أفضل عندها من إيران خامنئي. وهي تسعى للتغير الداخلي في إيران من خلال الضغط الاقتصادي حصرا. وستبقى تحاول. والنظام في إيران يدرك ذلك إلى جانب إدراكه لهامش المناورة الواسع في لعبة المصالح مع الشيطان الأكبر.

العالم الاسلامي الخليجي بدوره يجب أن يدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تعطيه ما يكفي للتخلص من خطر إيران. وختما لن تقاتل عنه إيران. (ولماذا تقاتلها ما دامت تدفع بهذا العالم الخليجي لصرف أمواله في جيوب الأمريكيين).

على العرب والايرانيين المبادرة بأسرع ما يمكن لاحتواء الخسائر التي تلحق بالطرفين. والجلوس معا بدون شروط مسبقة لرسم استراتيجية المنطقة بعيدا عن هيمنة طرف على آخر. وهنا المقصود بالطرف المهيمن الإيراني المحكوم بالتفكير بواقعية أكثر لأن عناصر القوة التي يمتلكها اليوم ليست حقيقية بقدر ما هي متأتية من ضعف الطرف العربي المقابل. وعلى الإيراني أن يدرك أن التاريخ يعيد نفسه ولو بصور مختلفة. وأن الحفاظ على الحكم الإسلامي الشيعي في إيران مرتبط باستقرار المنطقة والالتفات للداخل الإيراني الذي غزته الأفكار المعادية للنظرية الخمينية. وتفشت فيه المخدرات والأعمال المحرمة اسلاميا. وتسعى بعض الدول الكبرى لتغيير نظامه السياسي لصالح نظام علماني أو حتى عودة الأسرة البهلوية للحكم.

أمس كادت الأمور تنزلق بتوقيع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أمر الحرب المحدودة على إيران. ومما لا شك فيه أن في إيران جناح كبير في الحرس الثوري يعادي أمريكا حقيقة. ويعتبر ان شعار الموت لأمريكا يجب أن يتحقق. ويتحين الفرصة لذلك. وقد يقوم هذا الجناح بالرد على الضربة الأمريكية المتوقعة. وتصل الأمور بين الطرفين إلى الكرامة العسكرية التي تستدعي الرد والرد المضاد وصولا للحرب الشاملة. أو قد تصدر أوامر بطريق الخطأ فتؤدي لإشعال حرب.

تتحدث مذكرات جنرال روسي شارك في أزمة الصواريخ الكوبية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية عن لحظات قليلة فصلته عن توجيه ضربة نووية للولايات المتحدة الأمريكية. وذلك حين انقطعت الاتصالات بينه وبين قيادته في روسيا. ولولا تدخل ضابط أقل رتبة منه ومنعه من أعداد الصاروخ النووي من غواصته المخفية في بحر كوبا لكانت الكارثة النووية وقعت.

في حالة الوضع المستجد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية عامل التحدي وربما الحماس أو الايديولوجيا أو التوريط أوسع هامشا مما كان بين الضابط السوفيتي وامريكا. وإيران نفسها تتحدث صباح مساء عن محاولات من الكيان الصهيوني ودول الخليج لتوريطها في حرب لا تريدها. وقد أدعت أن التفجيرات التي طالت الناقلات النفطية ضمن هذا المسعى.

المنطقة أمام تحدي العقل والغريزة أو أن شئنا أن نسميها العصبية الواهمة... والقادة على طرفي الخليج عليهم التحرك سريعا لاقفال برميل البارود الذي إن انفجر سيصيب الجميع. ويعيدهم مئة سنة جديدة إلى الوراء..

للدكتور حسين عطوي