العدد 1537 /16-11-2022
بسام غنوم

تمر الساحة اللبنانية بحالة من الفراغ على كل المستويات بشكل ينعكس سلباً على حياة المواطنين الذين يعانون الامرين اولا بسبب عجز ادارات الدولة المختلفة عن تقديم خدماتها الاساسية للمواطن اللبناني حيث مع كل شتوة تفيض الطرقات في بعض المناطق بالماء ، وثانيا بسبب الخلاف المحتدم حول مواصفات الرئيس الجديد للجمهورية بحيث تحولت جلسات انتخاب الرئيس في مجلس النواب الى جلسات هزلية بكل مافي الكلمة من معنى بعد خمس جلسات لانتخاب الرئيس كانت فيها الورقة البيضاء الفائز الاول بفعل الخلاف السياسي حول مواصفات وشخصية الرئيس العتيد وهذا ما دفع بالبطريرك الماروني بشارة الراعي الى القول في عظة الاحد «أنّنا كلّما وصلنا إلى استحقاق انتخاب رئيس الجمهوريّة، يبدأ اختراع البدع والفذلكات للتّحكّم بمسار العمليّة ونتائجها، على حساب المسار الدّيمقراطي، علمًا أنّ الدستور واضح بنصّه وروحه بشأن موعد الانتخاب والنّصاب» ، واضاف قائلا : " أمام فشل مجلس النواب الذريع في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، بحيث كانت الجلسات الخمس في مثابة مسرحية-هزلية أطاحت بكرامة الذين لا يريدون انتخاب رئيس للبلاد، ويعتبرون أنّه غير ضروري للدولة، ويحطّون من قيمة الرئيس المسيحي-الماروني، بالإضافة إلى فشل كل الحوارات الداخلية أو بالأحرى تفشيلها من سنة 2006 حتى مؤتمر إعلان بعبدا سنة 2012، لا نجد حلاً إلّا بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان".

هذه المواقف السياسية للبطريرك الماروني من الاستحقاق الرئاسي والتي وصلت الى حد المطالبة بمؤتمر دولي خاص للبنان والتي جاءت بعد اعلان السيد حسن نصر الله ان "نحن المقاومة كجزء كبير من الشعب اللبناني نريد رئيساً للبلاد "مطمئناً" للمقاومة اي يكون رجلا لا يخاف شجاعا ويقدم المصلحة الوطنية على خوفه وان يكون رئيس لا يباع ولا يشترى"، تعكس حجم الاحتقان السياسي والطائفي على الساحة اللبنانية وهو ما قد يزيد من حالة التفكك القائمة في بنية الدولة اللبنانية التي تمر بأسوء فترة من تاريخها الحديث ، وهو ما يستلزم المسارعة الى انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب فرصة ممكنة لأن الوضع اللبناني على كل الصعد لا يحتمل تعطيلا رئاسيا مثلما جرى بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ،حيث عاش لبنان فراغا رئاسيا لمدة سنتين وخمسة اشهر لحين التوافق على انتخاب الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية.

وهنا يطرح السؤال التالي : في ظل حالة الانهيار في بنية الدولة اللبنانية ، هل يسمح الوقت باستمرار الخلاف حول شخصية الرئيس الجديد للجمهورية ؟

يطرح البعض سيناريوهات عديدة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ، ومن هذه السيناريوهات ان يكون الرئيس الجديد على شاكلة الرئيس عون بحيث يكون "مطمئناً" للمقاومة اي يكون رجلا لا يخاف ويقدم المصلحة الوطنية على خوفه وان يكون رئيساً لا يباع ولا يشترى" كما قال السيد نصر الله ، لكن هل عهد الرئيس عون وما رافقه من تعطيل ومناكفات سياسية وطائفية وانهيار على المستوى الاقتصادي هو الصورة التي يطمح اليها اللبنانيين ؟

صحيح ان عون وقف مع "حزب الله" في وجه الحملات التي استهدفته لكنه في المقابل دمر الحياة السياسية في لبنان والاقتصاد اللبناني واعاد احياء النعرات الطائفية بقوة على الساحة اللبنانية بحيث كان يرفض اي محاولة للاصلاح في بنية الدولة اللبنانية تحت عنوان التوازن الطائفي البغيض ، رغم ان الدستور اللبناني الذي انبثق عن اتفاق الطائف ينص على التوازن الطائفي فقط في الفئة الاولى من ادارات الدولة ، ومع ذلك عمل الرئيس عون بشكل ممنهج مع النائب جبران باسيل على ضرب اتفاق الطائف لاسباب طائفية ضيقة وهو ما أكده نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي في تصريح لـ”الأنباء” الكويتية الذي دعا إلى الدفاع عن هذا الاتفاق والحفاظ عليه، ومنع كل المحاولات التي تهدف إلى النيل منه، لاسيما تلك المحاولات التي قام بها رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في الفترة الأخيرة، بهدف تدمير هذا الاتفاق تدميرا ممنهجا، لكي يزول من عقول اللبنانيين.

اما السيناريو الاخطر فهو ما تحدث عنه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد حيث اعتبر إنّ «البعض في لبنان يتعنتون اليوم بنفس التعنت الذي واجهناه لتعطيل تشكيل الحكومة، لأنّهم يريدون رئيسا يأتي به الآخرون من خارج البلاد ليصبح رئيساً للبلاد، وهذا لن يكون بكل بساطة مهما طال الزمن»، وهذا مؤشر سلبي خطير اذا كان هذا الفريق يريد فعلا تعطيل الحياة السياسية في لبنان لحين الاتفاق معه على رئيس على شاكلة الرئيس عون.

اما السيناريو الثاني فهو دعوة البطريرك الراعي الى عقد مؤتمر دولي حول لبنان اذا استمر تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية ، وهذه الدعوة التي اطلقها البطريرك الراعي "أمام فشل مجلس النواب الذريع في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، بحيث كانت الجلسات الخمس في مثابة مسرحية-هزلية أطاحت بكرامة الذين لا يريدون انتخاب رئيس للبلاد، ويعتبرون أنّه غير ضروري للدولة، ويحطّون من قيمة الرئيس المسيحي-الماروني، بالإضافة إلى فشل كل الحوارات الداخلية أو بالأحرى تفشيلها من سنة 2006 حتى مؤتمر إعلان بعبدا سنة 2012"، وهذه الدعوة في حال تبنيها من قبل القوى المعارضة لسياسات "حزب الله" وحلفائه في لبنان تحمل في طياتها مخاطر كبيرة قد تدمر ما تبقى من بنية الدولة اللبنانية لأنها في ظل حالة اللآتوازن العسكرية والسياسية القائمة في لبنان قد تفتح الباب على حرب اهلية لا تبقي ولا تذر.

باختصار، التفكك القائم في بنية الدولة اللبنانية والانهيار الاقتصادي المتفاقم لا يسمحان بكل هذا السجال السياسي والطائفي القائم حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية ، والمطلوب المسارعة الى التوافق الرئاسي في اقرب وقت ممكن لأن لبنان واللبنانيين لم يعودوا يحتملون كل هذا العبث السياسي.

بسام غنوم