العدد 1429 / 23-9-2020
بسام غنوم

دخلت عملية تشكيل الحكومة في نفق الخلافات والحسابات الطائفية والمذهبية وقبل ذلك كله في نفق الصراعات الاقليمية الدائرة في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.

فبعدما كان النقاش يتمحور في بداية المشاورات التي أجراها الرئيس المكلف مصطفى أديب حول شكل الحكومة وعدد الوزراء والدور المطلوب من الحكومة الإنقاذية التي من المفترض أن تأخد لبنان واللبنانيين بعيداٌ عن الانهيار الاقتصادي الشامل، وعن الخلافات المستفحلة بين القوى السياسية الفاعلة، وبعدما كان الأمل بالوصول الى تشكيلة حكومية في مهلة اقصاها خمسة عشر يوماً كما طالب الرئيس الفرنسي ماكرون، إذ بالقوى السياسية الرئيسية تنقض على المبادرة الفرنسية شكلاً ومضموناً ، وعلى مهمة الرئيس المكلف مصطفى أديب وتعود الأمور الى المطالب المذهبية الضيقة، حيث يصر الفريق الشيعي على الحصول على حقيبة المالية التي اصبحت بين يوم وليلة الضمانة الدستورية والميثاقية للطائفة الشيعية ، مع أن الواقع سواء في الدولة او على الأرض يقول ان باقي الطوائف اللبنانية هم من اصبحوا بحاجة الى الضمانات الميثاقية والدستورية في ظل التمادي في استهداف دستور الطائف وتهميش موقع رئاسة الحكومة وباقي القوى السياسية المعارضة لمواقف وسياسات الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل محاولة وضع اليد بالقوة على حقيبة المالية من قبل الثنائي الشيعي هي من أجل السيطرة على لبنان دستورياً بعد السيطرة عليه أمنياً وسياسياً؟

من الصعب فهم التعنت الذي يبديه الفريق الشيعي بخصوص وزارة المالية، والذي يؤدي الى تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، وتفاقم الأمور على كل الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية في الأيام و الأسابيع القادمة الى حالة الانهيار الشامل وبتعبير اوضح كما قال الرئيس ميشال عون "رايحين على جهنم".

فهذا الفريق يمارس لعبةطالما مارسها في الحياة السياسية اللبنانية خلال السنوات السابقة، فهو عطل انتخاب رئيس جديد للجمهورية مدة سنتين وثمانية اشهر بسبب إصراره على اختيار الرئيس عون رئيساً للجمهورية، وقبل ذلك فرض بدعة الثلث المعطل في حكومة الرئيس الحريري، وأعلن الوزير جبران باسيل استقالة ثلث الحكومة من قصر بعبدا بينما كان الرئيس الحريري مجتمعاً بالرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض وهذا الفريق فرض تسوية سياسية بقوة الأمر الواقع على الرئيس الحريري بعد انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية في شهر تشرين أول 2016، وكان له الكلمة الفصل في كل الأمور الرئيسية التي تخص الدولة ، وخاض معاركه في سوريا دفاعاً عن رئيس النظام السوري، وسقط له عشرات القتلى ومئات الجرحى في دفاعه عن النظام السوري، ولم تستطع الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري التي أعلنت في بيانها الوزاري التزامها بسياسة النأي بالنفس تطبيق هذا الالتزام وهو ما ادى الى سقوط لبنان مالياً واقتصادياً والى توتر علاقاته مع اخوانه العرب ولا سيما دول الخليج العربي، فضلا عن الشعوب العربية التي اصبحت نظرتها الى "حزب الله" انه اداة لتنفيذ السياسيات الإيرانية في المنطقة ككل لا أكثر ولا أقل.

و الآن وفي ظل الصراع الأميركي – الإيراني المحتدم في المنطقة ، وفيما يعاني لبنان من أزمات اقتصادية واجتماعية ومالية كبيرة يصر هذا الفريق على الاستمرار بسياساته السابقة التي اوصلت لبنان الى ما هو عليه من الانهيار الاقتصادي والمالي والاستقطاب الطائفي والمذهبي ، رغم أن الأمور مختلفة عن السنوات السابقة، فالانهيار الشامل وعلى كل الصعد اصبح مسألة أسابيع لا أكثر ولا أقل ، "ورايحين على جهنم" إذا لم تشكل الحكومة كما قال الرئيس ميشال عون، ومع ذلك يقول الثنائي الشيعي "لن يأخذوا وزارة المالية منا ولو انتظروا 100 سنة".

باختصار، الثنائي الشيعي عبر إصراره على تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة المكلفة بإنقاذ لبنان، يريد وضع يده على لبنان دستورياً وميثاقياً بعدما وضع يده عليه سياسياً وأمنياً. فهل سيتحقق له ذلك؟

بسام غنوم