العدد 1422 / 22-7-2020
بسام غنوم

تعيش الساحة اللبنانية حالة من المراوحة على كل المستويات ، فعلى الصعيد السياسي تبدو الامور كأنها تدور في مكانها ، فبعد الحديث عن احتمال حدوث تغيير حكومي يعيد خلط الاوراق على لساحة السياسية ويفتح الابواب المغلقة امام لبنان عربيا ودوليا ، طويت صفحة التغيير الحكومي بين ليلة وضحاها بعد تأكيد "حزب الله" ان لا تغيير للحكومة الحالية في الوقت الحالي ، وهو ما اكده الرئيس حسان دياب ووزراؤه في الحكومة العتيدة ، وبذلك طويت منصة التغيير الحكومي التي يمكن ان تؤمن للبنان ولكل القوى السياسية بما فيها "حزب الله" مخرجاً سياسياً لائقاً يتناسب مع ما يعانيه لبنان من ازمات على مختلف الصعد الاقتصادية والحياتية والاجتماعية .

اما على الصعيد الاقتصادي والحياتي فمازالت الامور على حالها ايضا ان لم نقل اسوأ من ذي قبل ، فالوضع الاقتصادي دخل مرحلة جديدة من الانهيارات لعل ابرز مظاهرها حالة الصرف الجماعي لمئات الموظفين في الجامعة الاميركية ، وهي ظاهرة تطال ايضا العديد من المؤسسات في كل لبنان ، اما على الصعيد الخدماتي فأزمة الكهرباء مازالت على حالها حيث التقنين القاسي يطال مختلف المناطق اللبنانية رغم وعود وزير الطاقة ريمون غجر بتحسن وضع الكهرباء مع وصول بواخر الفيول اويل والمازوت التي يبدو انها تأخرت كثيرا في الوصول الى شواطئ لبنان لاسباب يعلمها الوزير غجر شخصيا .

في ظل هذه الاوضاع برزت دعوة البطريرك الراعي الى الحياد الايجابي من اجل حماية لبنان واللبنانيين، وهي دعوة لاقت ردود فعل مختلفة ومتناقضة من مختلف الاطراف السياسية . فهل تشكل دعوة البطريرك الراعي الى الحياد فرصة لاعادة تحريك مياه السياسة اللبنانية الراكدة ؟

في البداية يمكن القول ان دعوة البطريرك الراعي الى حياد لبنان من ازمات المنطقة شبيه الى حد كبير باعلان بعبدا الذي اعتمد مبدأ النأي بالنفس ، وهو الاعلان الذي وافقت عليه كل القوى السياسية بما فيها "حزب الله" ، لكن "حزب الله" وبسبب تورطه المباشر في الازمة السورية عاد ونفض يده من اعلان بعبدا ، واعتبره كانه لم يكن .

في ضوء ذلك يمكن فهم رفض "حزب الله" والثنائي الشيعي لدعوة الحياد التي ينادي لها البطريرك الراعي ، هذه الدعوة للحياد تستند بحسب البطريرك الراعي الى ان كل البيانات الوزارية من عام 1943 حتى عام 1980 تقول :"ان لبنان يعتبر الحياد ، مع التزام القضايا العامة مثل السلام وحقوق الانسان وحوار الحضارات والاديان ويضيف "تقول مقدمة الدستور اللبناني بان لبنان وطن نهائي لكل ابنائه ، والحياد هو افضل ترجمة لهذا الدستور ويؤكد " وطبعا نحن واسرائيل في حالة عداء وقد كان الرد على دعوة البطريرك الراعي للحياد عنيفا من المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان فقال :"ان الحقيقة الوحيدة التي نؤمن بها هي :لبنان بلد لاهله وناسه ولكل مكونيه ، لكنه بلد مقاوم لا يقبل ان يكون فريسة للصهاينة او للاميركيين او اقنعتهم" واضاف "ان هذا البلد لا يقبل البيع ، وعلى البعض ان يدرك حقيقة اننا كشيعة ، اكثرية مكونة في هذا الوطن ، ثم الشريك الاول والرئيسي لكل من طرأ عليه ، وتشاركنا معه الخبز والملح رغما عن زيف ألاعيب العثمانية والانتداب الفرنسي" .

وهذا الموقف من دعوة الحياد التي دعا اليها البطريرك الراعي وبهذه الحدة المذهبية يؤكد ان الازمة السياسية التي يعيشها لبنان اضافة الى اسبابها المرتبطة بفساد الطبقة السياسية والارتباطات الخارجية لمختلف الفرقاء اللبنانيين ، فان لها خلفيات مذهبية ضيقة تبحث عن فرصة لوضع يدها على مقدرات لبنان وهو ما عبر عنه المفتي قبلان بصراحة فقال :"وعلى البعض ان يتذكر ان زمن عودة المارد للقمقم صار في خبر كان" ، ولذلك بمكن القول انه وبرغم الملاحظات على دعوة الحياد ، فان هذه الدعوة في ظل هذه الظروف التي يعيشها لبنان في هذه الايام ، فرصة من اجل تصويب الامور على الصعيد الوطني حتى لا يصبح لبنان فريسة لحسابات البعض المذهبية والطائفية .

باختصار ، لبنان وصل الى حافة الهاوية على كل المستويات ، وهو في امس الحاجة لمبادرات انقاذية ، فهل تشكل دعوة الحياد فرصة للبحث في انقاذ لبنان ؟