تبدو الحكومة اللبنانية متعثرة في خطواتها الاولى نحو ايجاد حلول لمشاكل اللبنانيين المختلفة التي بدأت تأخذ منحى انحداريا خطيرا مع عجزهم عن تأمين الحد الادنى من متطلبات الحياة الكريمة مثل الكهرباء والماء والدواء ... الخ.

فبعد مرور ثلاثة اسابيع على تشكيل الحكومة لم يحصل اي شيء ايجابي في حياة اللبنانيين بل زادت الامور سؤا حيث اصبحت الكهرباء عملة نادرة بسبب انهيار شبكة توزيع الكهرباء وعدم وجود الفيول والغاز المطلوبين لتشغيل معامل الانتاج كما قالت شركة الكهرباء في بيان رسمي لها ، واسعار المواد الغذائية المختلفة تحلق نحو مستويات مرتفعة والسبب المعلن حسب التجار هو ارتفاع سعر المحروقات وعودة سعر الدولار الى الارتفاع مجددا بعد انخفاضه لفترة وجيزة بعد الاعلان عن تشكيل الحكومة مع ان التجار لم يخفضوا اسعارهم بعد تراجع سعر الدولار بحجة انهم اشتروا البضائع على سعر دولار مرتفع ، والبنزين والمازوت اصبحا بقدرة قادر متوفرين بعد رفع الدعم عنهما ولكن انعكس ذلك سلبا على معيشة اللبنانيين الذين اصبحوا عاجزين عن تأمين الاموال اللازمة لشراء البنزين لسياراتهم وعن دفع ثمن اشتراك مولدات الكهرباء التي اصبحت تستنزف ثلثي قيمة رواتبهم .

بأختصار الحكومة الجديدة لم تقدم شيئا حتى الآن ولو بالحد الادنى فوزارة الطاقة غائبة عن السمع ، ووزارة الاقتصاد لم تتحرك لمواجهة المحتكرين المعروفين منها بالاسماء، والتهريب اصبح يطال المواد الغذائية بعدما كان مقتصرا بصورة رئيسية على البنزين والمازوت ، واللبناني لم يعد قادرا حتى على قول أخ من كثرة الطعنات التي يتعرض لها يوميا.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل حكومة الرئيس ميقاتي حكومة لاجراء الانتخابات النيابية فقط لاغير ، ام مطلوب منها تأمين الحد الادنى من حاجات اللبنانيين حتى يستطيعوا العيش بكرامة حتى موعد الانتخابات ؟

الرئيس ميقاتي قدم نفسه وحكومته على اساس انهما سوف يقدما كل ما يمكن من اجل تحسين حياة اللبنانيين سواء في الاقتصاد اوعلى صعيد تأمين الكهرباء وكذلك ايضا على الصعيد السياسي لناحية القيام بكل الاصلاحات المطلوبة من الحكومة من اجل الحصول على المساعدات الدولية ، واجراء انتخابات نيابية حرة و نزيهة كما يطالب اللبنانيين والمجتمع الدولي.

لكن بعد انطلاقة عمل الحكومة تبدو الامور على غير ما يرام وخصوصا على الصعيدين السياسي و الاقتصادي ، فعلى الصعيد السياسي مازالت الامور على حالها داخليا لناحية فرض بعض القوى هيمنتها على السلطة ، فالرئيس ميقاتي يقف عاجزا امام الحدود المفتوحة مع سوريا من قبل "حزب الله"، والقضاء اللبناني تلقى صفعة كبيرة في قضية تحقيقات مرفأ بيروت ولم تتجرأ الحكومة على اتخاذ موقف من ما قيل عن انه تهديد من المسؤول الامني في حزب الله وفيق صفا للمحقق العدلي في قضية المرفأ القاضي طارق البيطار ، و رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين يقول أنه "لدينا تحديات كثيرة اليوم ومنها الإقليمية، ونحن أصبحنا جزءا أساسيا من المعادلة الإقليمية"، ويضيف متوعدا الاميركيين في لبنان "نحن نقول أن الأميركان يؤثرون في لبنان أمنيا وسياسيا وماليا واقتصاديا، وهم أقوياء في الدولة اللبنانية، ولديهم الكثير داخلها، ولكن نحن حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، سيشاهد اللبنانيون شيئا آخر" ، وفي ظل هذه الاجواء يعمل الرئيس ميقاتي على تأمين مساعدات الى لبنان عبر البوابة الفرنسية ، لكن هل هذا ممكن مع غياب اية فعالية سياسية للحكومة ورئيسها؟

وكيف يمكن مطالبة دول الخليج العربي والمجتمع الدولي بمساعدات اقتصادية ودعم سياسي للحكومة فيما الامور على ما هي عليه في لبنان؟

وهل المجتمع الدولي يريد مساعدة لبنان وفق شروط القوى المهيمنة على السلطة او وفق شروطه؟

اسئلة كثيرة تدفعنا الى الخوف من تدهور الاوضاع اكثر في الفترة القادمة اذا ما استمرت الامور على ما هي عليه.

هذا على الصعيد السياسي اما على الصعيد الاقتصادي فالامور نحو الاسوأ فالكهرباء مقطوعة والدولة عاجزة عن تأمين الحد الادنى من الطاقة الكهربائية وروائح العمولات و السمسرات فاحت من صفقة النفط العراقي واصبحت حديث المجالس ومع ذلك لم تتحرك الحكومة ولا الاجهزة القضائية لمعرفة حقيقة الموضوع وهذا مؤشر سلبي يكشف عمق الفساد المستشري في ادارات الدولة بغطاء من القوى السياسية فيها ، وصندوق النقد الدولي لن يقدم مساعدات على بياض للبنان اذا لم يقوم لبنان بالاصلاحات المطلوبة على صعيد الكهرباء وادارات الدولة وكذلك بالنسبة لسيطرة الدولة على الامن في البلد وعلى الحدود مع سوريا فهل هذا ممكن ؟

وبالنسبة لمساعدات صندوق النقد الدولي في حال حصولها فهي مشروطة بمكافحة الفساد اولا واخيرا في ادارات الدولة واذا لم يحصل ذلك فصندوق النقد الدولي سوف يوقف مساعداته فورا كما جرى مع عدة دول في افريقيا ، فقد أوردت صحيفة «الأكونوميست» البريطانية تحت عنوان The Imf Gets Stricter On Corruption ان الصندوق الدولي بات أكثر تشدّدا في شرط «مكافحة الفساد» لدرجة أنه أعاد النظر أو أوقف عمليات تمويل لعدة لدول أفريقية بسبب عدم تنفيذها كفاية هذا الشرط منها غينيا، والكونغو - برازافيل، والغابون والكاميرون.

بالخلاصة يمكن القول ان سلوك الحكومة ورئيسها حتى الآن هو سلوك حكومة اجراء الانتخابات النيابية فقط لا غير ، اما تحسين وضع اللبنانيين وتأمين حاجاتهم الاساسية فهي على ما يبدو في اخر اهتماتها.

بسام غنوم