العدد 1478 /15-9-2021

شكلت ولادة حكومة الرئيس ميقاتي بعد مخاض عسير تداخلت فيه الاتصالات الداخلية والضغوط الخارجية تحولا ايجابيا في الوضع السياسي اللبناني بعد ثلاثة عشر شهرا على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في 12 آب 2020 بعد حادثة انفجار المرفأ، عاش خلالها اللبنانيون في ظل صراع سياسي حاد اوصل لبنان الى انهيار اقتصادي ومالي واجتماعي وعلى كل المستويات كما وعد الرئيس عون اللبنانيين بالوصول الى جهنم.

ولادة الحكومة الجديدة لم تكن لتحصل لولا امرين الاول هو وصول الامور الى حافة الهاوية على كل المستويات وخصوصا على الصعيد الامني حيث توقعت بعض الجهات الدبلوماسية الدولية انفجار الوضع الامني في لبنان في حال استمرت الازمة السياسية على حالها ، والامر الثاني هو الضغوط الدولية والاقليمية على الفريق الحاكم ولاسيما من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ودخول ايران بصورة مباشرة على خط الاتصالات لتسهيل ولادة الحكومة وهو ما اثمر توافقا داخليا على الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي الذي اعلن أن "الحكومة تمثل كل لبنان وليس فئات معينة، واعدا اللبنانيين، بأنه سيتصل بكل الهيئات الدولية لتأمين أبسط أمور الحياة" ، وأضاف "سنعمل بمبدأ وطني ولسنا مع فئة ضد فئة ولن أفوّت فرصة لدقّ أبواب العالم العربي ويجب أن نوصل ما انقطع ولبنان ينتمي الى هذا العالم العربي وهو فخور بهذا الأمر".

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل تشكل ولادة حكومة الرئيس ميقاتي نقطة البداية لخروج لبنان من جهنم الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي اوصلنا اليه الفريق الحاكم ؟

في البداية يمكن القول ان تشكيل الحكومة الجديدة شكل ارتياحا كبيرا لدى أكثرية اللبنانيين وخصوصا لدى الفئات التي تكتوي بنار الازمات الاقتصادية والاجتماعية وازمة المحروقات ، فهذه الفئات بعد ان وصلت الامور الى ماهي عليه من انهيارات اصبح همها الوحيد تأمين معيشتها اقله بالحد الادنى بعد ان يأست من امكانية الاصلاح مع هذه الطبقة السياسية، ولذلك فان من اسباب موافقة المجتمع الدولي على حكومة الرئيس ميقاتي التي تشكلت كما يعلم الجميع وفق مبدأ المحاصصة السياسية والطائفية وليس حسب الكفاءة والاختصاص كما كان يطالب المجتمع الدولي هو الحرص على اجراء الانتخابات النيابية في 8 ايار 2022 بما يسمح بتغيير في شكل الحياة السياسية في لبنان بنسبة كبيرة ، وقد اكد ذلك أكثر من مصدر سياسي مطلع على كواليس عملية تشكيل الحكومة فقال أن فرنسا و معها المجتمع الدولي لا يمانعان وجود حكومة بمعايير أقل مما كانا يرغبان وذلك لتوصل لبنان الى الإنتخابات النيابية بأقل خسائر ممكنة على الشعب الذي يعاني الذل والموت للحصول على الخدمات الأساسية.

هذا الواقع يؤكد ان المطلوب من الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس ميقاتي هو اولا وقف الانهيار الحاصل في لبنان لأن "الوضع صعب ويجب أن نضع يدنا في يد بعضنا ولا شيء كاملاً ولكن نؤكد اننا سنكون فريق عمل بيد واحدة وسنعمل بأمل وعزم" كما قال بعد الاعلان عن تشكيل الحكومة في قصر بعبدا ، وتأكيده على "أن نقوم بالإنتخابات النيابية والبلدية والإختيارية في وقتها في 8 أيار" ثانيا.

وبالتالي فان برنامج عمل الحكومة محدد سلفا من قبل المجتمع الدولي والقوى الاقليمية ولذلك على الحكومة ان تبادر وبصورة سريعة الى وضع خطة اقتصادية وبرنامج واضح للاصلاح الاقتصادي حتى يتم التفاوض حوله مع صندوق النقد الدولي من أجل تأمين المساعدات الضرورية للنهوض مجددا بالاقتصاد اللبناني المنهك والمدمر بفعل السياسات الاقتصادية والفساد الاداري والمواقف السياسية للطبقة الحاكمة وازلامها في السلطة ، وهذا يستلزم اولا الكف عن التعامل مع متطلبات الاصلاح الاقتصادي وفق المعايير الطائفية والحسابات السياسية الضيقة والسمسرات التي اوصلت الامور الى هذا الحد من الانهيار ، واما اذا تعاملت السلطة مع الحكومة الجديدة على طريقة استغلال المساعدات الدولية من اجل تحقيق مصالح انتخابية ضيقة فان ذلك سوف يؤدي الى فشل الحكومة وانهيار الوضع في لبنان والسقوط في الفوضى الشاملة.

باختصار تشكيل الحكومة الجديدة فرصة كبيرة لخروج لبنان من ازماته المختلفة ، فهل ستكون انطلاقة للخروج من النفق المظلم ، ام ان الطبقة السياسية الحاكمة سوف تعمل على استغلالها لتحقيق مكاسب على حساب بقاء لبنان واللبنانيين ؟

بسام غنوم