العدد 1471 /28-7-2021

يرفع الانهيار الاقتصادي والتخبّط السياسي في لبنان مستويات القلق والتوتر والشعور بانعدام الأمان النفسي والاجتماعي. وتتعزز هذه المشاعر بتصاعد وتيرة الأحداث الأمنية في شكل ملحوظٍ منذ العام 2020، عبر جرائم قتل وعمليات سرقة. أرقام ومؤشرات انعكست على الصحة النفسية للمواطنين والمقيمين، الذين يعانون أيضاً من أعباء جائحة كورونا وتداعياتها.

يؤكّد الباحث في شركة "الدولية للمعلومات" للدراسات والبحوث والإحصاءات، محمد شمس الدين، أنّ "تزايد حالات السرقة والقتل التي نشهدها اليوم مرتبط بالأزمة الاقتصادية والمالية وارتفاع نسبة الفقر والبطالة، وتفاقم التأثيرات النفسية السلبية وتفكّك المجتمع والدولة. وتتحدث الأرقام عن حوالي 480 ألف عاطل عن العمل، و200 ألف يعملون بنصف أو ربع راتب، فيما القدرة الشرائية تدهورت مع ارتفاع الأسعار بنسبة 183 في المائة خلال سنة، أما نسبة الفقر فتناهز 55 في المائة".

يوضح شمس الدين أنّ إحصاءات شركة "الدولية للمعلومات" تستند إلى أرقام وتقارير توفرها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. ويشير إلى أنّ إجمالي عدد السرقات ارتفع بنسبة 57.4 في المائة من 1610 إلى 2534 خلال عامي 2019 و2020، في حين بلغ عددها 198 في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 فقط، في مقابل 125 خلال الشهر نفسه عام 2019. أما عدد جرائم القتل فارتفع بنسبة 91 في المائة من 109 إلى 208 في 2020. ويعلّق: "الأكيد أنّه كلما زاد الانهيار زاد التفكك وارتفع عدد جرائم القتل والسرقة. وفي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 زاد عدد سرقات السيارات من 230

إلى 347 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020، أي بارتفاع نسبته 51 في المائة. أما إجمالي عدد السرقات فارتفع من 704 إلى 2006، أي بنسبة 185 في المائة. في المقابل، كان لافتاً تراجع معدلات القتل بنسبة 16 في المائة من 68 إلى 57، وحالات الانتحار بنسبة 16.7 في المائة من 48 إلى 40".

في السياق، تؤكد الطبيبة المتخصّصة في علم النفس، لوزان خيرو، أنّ "ما يعيشه اللبنانيون استثنائي وصعب، سواء على صعيد عدم الاستقرار السياسي أو الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء المعيشي أو الضغوط التي خلفتها جائحة كورونا، وآثار الخوف التي تركتها في الصحة النفسية لكثيرين. كلّ هذه العوامل تتسبب في حالات نفسية غير مستقرة وانعدام التطور النفسي، ما يدفع البعض إلى ارتكاب جرائم قتل وسرقة، أحياناً من أجل إطعام أولادهم أو الحصول على مال مطلوب لتيسير أمورهم وتأمين احتياجاتهم".

وتستثني خيرو الحالات المرضية لأولئك الذين يقتلون أو يسرقون لـ"التلذذ فقط، أو الذين يرتكبون جرائم شرف تتعلق بمعتقدات وعادات خاطئة" لكنّها تستدرك أنّ "الحجر الصحي تسبب أيضاً في حالاتٍ نفسية غير مستقرة. فالأفراد الذين أوقفوا نشاطاتهم السابقة مثل السهر أو السياحة والسفر أو التجارة أو الحياة الاجتماعية أو النوادي الرياضية، والتي كانت تشكّل متنفساً حيوياً لهم، باتوا يعيشون اليوم في قلق شديد وخوف من التعرض لمرض أو الموت، خصوصاً في ظلّ عدم وضوح الحقائق العلمية الخاصة بفيروس كورونا".

وتلفت إلى أنّ "نتائج هذه الحالات النفسية غير المستقرة قد تظهر في زيادة نسبة الطلاق التي تطاول خصوصاً نساء معنّفات، وتفاقم المشكلات والخلافات، وارتفاع معدل القتل والجرائم. أما انعكاس ذلك على المجتمع فيتمثل في ظهور أعراض القلق والتوتر والخوف الدائم، والخيبة لدى اللبنانيين الذين يعتقدون بأنهم استثمروا بلا جدوى في وطنهم وحاولوا الصمود فيه، لكنّهم لم يحصلوا في نهاية المطاف على أدنى حقوقهم والمتمثلة في الشعور بالأمان".