العدد 1551 /22-2-2023
بسام غنوم

في ظل حالة الفوضى التي تعم الساحة اللبنانية لم يعد المواطن اللبناني يهتم كثيرا بالمواقف والتصريحات التي يلقيها المسؤولون في السلطة والمعارضة على حد سواء ، لأن الذي يهم المواطن اللبناني في هذه الايام هو كيف يمكنه تأمين الحد الادنى من المطالب المعيشية له ولعائلته بعد ان اصبح سعر صرف الدولار الاميركي مقابل الليرة اللبنانية اكثر من 80 الف ليرة لبنانية للدولار الواحد ، وبعد ان اصبح سعر صفيحة البنزين ما يقارب المليون ونصف ليرة لبنانية ، وبعد ان اصبحت كل السلع تسعر بالدولار الاميركي فيما اكثرية المواطنين مازالوا يقبضون رواتبهم بالليرة اللبنانية التي لم تعد تساوي شيئا على ارض الواقع الذي يعيشه لبنان في هذه الايام الصعبة والمريرة.

في هذا السياق كان لبنان خلال الايام الماضية تحت تأثير موجة كبيرة من الشائعات اثرت كثيرا على الوضعين المالي والاقتصادي ، مثل شائعة ان الادارة الاميركية سوف تضع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على لائحة العقوبات بسبب تعاونه مع "حزب الله" ، وهو ما ادى الى بلبلة في الاسواق ورفع سعر صرف الدولار الاميركي في السوق رغم نفي الادارة الامريكية الخبر جملة وتفصيلا ، وكان هناك ايضا شائعة اشد خطورة وتأثيرا وهي ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قال "بأن مصرف لبنان فقد السيطرة على السوق، وأنه قد يكون من الصعب إعادة ضبط الأمور، إلا في حال حصول خطوة سياسية كبيرة"، وهو ما نفاه ايضا الرئيس ميقاتي ، مما يؤكد ان هناك من يعبث بصورة ممنهجة بالوضع الاقتصادي اللبناني من اجل تحقيق غايات تخدم مصالحه السياسية على حساب معيشة اللبنانيين واستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي.

واللافت ان الطبقة السياسية اللبنانية رغم كل ما يجري على الصعيد الاقتصادي ورغم المعاناة المرة التي يعيشها اللبنانيون ، مازالوا يصرون على مواقفهم التي اقل ما يقال فيها انها خارج السياق العام ، وخارج المنطق ، فالخلاف حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية مازال على حاله وكل فريق يرفع مطالبه للحد الاقصى وكأن الامور في لبنان بخير ، وهناك خلاف مستجد حول عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب وسبب الخلاف المعلن هو حول حق المجلس النيابي بالتشريع ، بينما حقيقة الخلاف بين الطرفين هو ان كل فريق يريد حصته من التعيينات في المناصب الامنية المقترحة في الجلسة التشريعية.

وهنا يطرح السؤال التالي : الى متى سيستمر هذا العبث السياسي ، ولمصلحة من يجري افقار اللبنانيين واذلالهم ؟

كشفت حملة الشائعات التي طالت الواقع الاقتصادي اللبناني وحاكم مصرف لبنان في الايام القليلة الماضي عدة امور هامة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي ومنها:

-ان الازمة الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون في هذه الايام الصعبة والمريرة لها وجهان ، الاول داخلي مرتبط بفساد الدولة والطبقة السياسية الحاكمة كما بينت الاحداث منذ انتفاضة 17تشرين اول 2019 وحتى الآن ، والثاني وجه خارجي يريد ان تصل الامور في لبنان الى حافة الانهيار الاقتصادي وحملة الشائعات التي طالت المصرف المركزي وحاكم مصرف لبنان في الايام القليلة الماضية دليل على ذلك.

-القوى السياسية اللبنانية على اختلاف توجهاتها متورطة بطريقة مباشرة وغير مباشرة بالانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه اللبنانيون ، من اجل فرض خياراتها السياسية على الواقع اللبناني، وما تشهده الساحة من سجالات حول الموضوع الاقتصادي تؤكد ذلك دون الخوض في التفاصيل التي يعرفها الجميع في لبنان.

-العبث بالوضع الاقتصادي اصبح سلاحا مباحا في لبنان ولعل ذلك ما دفع بأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله الى القول "إذا دفعتم لبنان نحو الفوضى، فستخسرون في لبنان، ويجب أن تتوقعوا فوضى في المنطقة كلها. وإذا كانت مؤامراتكم موجّهة إلى اليد التي تؤلمنا، وهي شعبنا، فسنوجه أسلحتنا إلى اليد التي تؤلمكم، وهي عزيزتكم إسرائيل".

فيما تؤكد أوساط معارضة انّ "المدخل الوحيد لفرملة الانهيار وإعادة الثقة للمواطنين يكمن في إنهاء الشغور الرئاسي الذي يفتح باب تشكيل سلطة تنفيذية فعلية قادرة على وضع الإصلاحات والخطط التي تضع لبنان على سكة الإنقاذ، وما لم تحصل الانتخابات الرئاسية فإنّ فصول الانهيار ستتوالى ويُخطئ من يراهن على الانهيار لانتزاع تنازلات جُرِّبت وكانت نتائجها كارثية".

بالخلاصة الوضع في لبنان يسير على حافة الانهيار ، وقد ينهار الوضع اللبناني برمته بصورة مفاجئة كما توقع اكثر من مرجع سياسي وامني ، واذا لم تتم معالجة الامور بأسرع وقت ممكن فعلى لبنان السلام.

بسام غنوم