العدد 1431 / 7-10-2020
قاسم قصير

لا يزال موضوع الحياد الناشط الذي دعا اليه البطريرك بشارة الراعي محور حوار ونقاش في الاوساط السياسية والدبلوماسية والفكرية في لبنان ، وفي هذا الاطار عقد "مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية" الذي يرأسه الدكتور ادونيس عكرة ورشة تفكير ونقاش، اواخر شهر ايلول الماضي في مدينة جبيل بعنوان:

" حياد لبنان/ التحديات والفُرص"، وذلك بالتعاون مع مؤسسة هانز زيدل الالمانية.

وقد طرحت في الورشة أفكار مهمة حول موضوع الحياد وشروطه واليات تطبيقه.

فماهي ابرز الطروحات التي قدّمت في هذه الورشة؟ وما هي الشروط المطلوبة لتطبيق الحياد؟ وهل يمكن ذلك في لبنان؟

الافكار والملاحظات حول الحياد

أفتتحت الورشة بكلمة لرئيس "مركز تموز" د. أدونيس العكرة، والمسؤول الإقليمي لمؤسسة "هانز زايدل" السيد كريستوف دوفارتس، وتضمّنت الورشة ست جلسات وقُدِّمت أوراق عمل لمجموعة من الأكاديميين والأساتذة الجامعيين، متخصصين في علم القانون والسياسة والاقتصاد والتاريخ، إلى ممثلي قوى سياسية وخبراء عسكريين. وقد دار نقاشٌ، شارك فيه عددٌ من طلبة الدراسات العليا، من مختلف جامعات لبنان، إلى ممثلين لهيئات فاعلة في المجتمع المدني ومهتمين.

وإذْ تمَّت مقاربة أطروحة حياد لبنان، سياسياً واقتصادياً ومالياً وعسكرياً، فمن منظور القانون الدولي، مع حرصٍ على تحديد المفاهيم وعدم الخلط بين الحياد والتحييد وما إلى ذلك من مصطلحات غير علمية، وقد كان استعراضٌ لتجارب بعض الدول التي اعتمدت نظام الحياد.

وهنا ابرز الملاحظات والافكار التي قدمت حول الحياد :

1-إن الدعوة إلى حياد لبنان الدائم ارتبطت بمختلف محطات الصراع بين مكوِّناته الطوائفية والسياسية، وقد تبدّى أبرز هذه المحطات، عَبْرَ "الميثاق الوطني" للعام 1943، و"اتفاق الهدنة" مع العدو الصهيوني (1949)، و"إعلان بعبدا" (11 حزيران 2012) مشفوعاً بما سُمّي "سياسة النأي بالنفس"، وصولاً إلى "مذكرة لبنان والحياد الناشط" التي أطلقها غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في مؤتمر صحفي بتاريخ 17 آب 2020.

2-إن اعتماد لبنان نظام الحياد تعترضه معوّقاتٌ شتّى، فالمجتمع اللبناني يُعاني إنشطاراً عمودياً، إذْ تحكمُهُ خلافاتٌ عميقة، في عِدادها اختلاف النظرة إلى الصراع مع العدو الصهيوني، الطامع في أرض لبنان ومنابع مياهه العذبة وبحره وثروته النفطية والغازية. وعلى رُغم "اتفاق الهدنة"، فقد قام بعدة غزوات وحروب، أوسعها "عملية الليطاني"(1978)، و"عملية السلام للجليل"(1982)، وهي أكبر الحروب، إذْ وصل إلى بيروت، فكانت أول عاصمة عربية يدخلها العدو الإسرائيلي. ناهيك، عن استباحته الأجواء اللبنانية، بشكل شبه يومي. وإلى ذلك فإن ثمة معاهدة تربط لبنان بجامعة الدول العربية "معاهدة الدفاع العربي المشترك"، وأخرى مع سوريا "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق"(1991) والاتفاقيات المنبثقة عنها.

3-تأسيساً على ما تقدّم، فإن الإصرار على الجنوح نحو حياد لبنان راهناً، قد يصبُّ الزيت على نار الخلافات المستحكمة بين الأفرقاء اللبنانيين وبعض المرجعيات الدينية.

4-إن نظام الحياد الدائم يعني خروج لبنان من النظام المالي العالمي (نظام الدولرة)، كما الخروج من مختلف المؤسسات الدولية ذات الصلة.

5-في جملة المعوّقات، التي تقف حجر عثرة في وجه حياد لبنان، ما خلَّفته الأزمة المالية الطاحنة، لا سيما لجهة الوقوع تحت وطأة الديون السيادية.

6-إن نظام الحياد الدائم، من حيث وجهه الإيجابي، لا يعني الانعزال ولا الاستقالة من التعاطي مع الخارج، بمختلف مؤسساته. كما لا يعني التخلي عن السيادة وعدم بناء جيش قوي وقدرات عسكرية والدفاع عن البلاد.

ومن هذا المنطلق، فإن نظام الحياد يمكن تقبُّلُه إذا كان يؤول إلى حل الأزمة اللبنانية الحالّية ومُتعدّدة الأوجه، ولا يُفضي إلى خيارات تتهدّده: دولةً وكياناً.

7-إن الجمهورية اللبنانية، منذ الاستقلال ، لم تعرف الاستقرار إلاّ في فتراتٍ متقطّعة، جرّاء التدخّلات الخارجية، إقليمياً ودولياً، دون إغفال التناحر الطائفي الذي شرّع الأبواب.

8-بعد مضي 77 سنة على استقلال لبنان، لم تقُمْ دولة حقيقية، بل مجرّد نظام سياسي، مكَّن لمنظومة حاكمة فاسدة و مُفسدة تقاسم السلطة والنفوذ والمغانم. هو، في جوهره، نظام تحاصص طوائفي كونفدرالي مُفلس ، وضع لبنان في خضمّ انهيار مالي واقتصادي.

9-إن وجود دولة قوية وعادلة شرطٌ لازمٌ لإقرار نظام الحياد. ناهيك عن أن الحياد، ببُعدهِ المصيري المؤسِّس لنظام جديد، يستوجبُ وفاقاً وطنياً قابلاً للتوظيف في دولة قادرة على اتخاذ قرار بشأنه.

التوصيات والمقترحات

على ضوء المناقشات والحوارات التي جرت في الورشة ماهي ابرز التوصيات والمقترحات ؟ وهل يمكن الوصول الى نظام الحياد؟

من ابرز هذه التوصيات :

1-حول الدعوة إلى قيام نظام الحياد الدائم في لبنان، فإن مؤتمراً تأسيسياً قد يُشكِّل حلاًّ للخروج من حالة الاستعصاء التي تراوح فيها أزمة لبنان المزمنة، والتي تستنزفهُ على جميع الصُعُد. بيد أن لهذا الحلّ شروطاً، أبرزها: قيام حكومة ذات مهمة إنقاذية، تضع مشروع قانون انتخابات نيابية عصرياً، يُراعي أحكام الدستور، لا سيما المادة 22 (مجلس نواب على أساس وطني ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف)، والمادة 27 (عضو مجلس النواب يُمثل الأمة جمعاء)، على أن يتم إجراء انتخابات وفق هذا القانون يُفضي إلى مجلس نواب، يُؤمِّن صحة التمثيل الشعبي، ويُشكِّل ، بحدّ ذاته، مؤتمراً تأسيسياً لإعادة بناء لبنان جديد: دولةً ووطناً.

2-إن لبنان مدعوٌّ، من منطلق الحياد نقدياً، إلى الإقلاع عن ثقافة التبعية المالية، إذْ لا قيامة له إلاّ باعتماده الديمقراطية النقدية، بمعنى عدم الارتهان لنظام الدولرة، الذي أطاح العملة الوطنية، وأدّى إلى إفلاس اللبنانيين ونهب أموالهم ورميهم في مهاوي مجاعة مُحقّقة.

3-دعوة اللبنانيين، مسؤولين و"شعوباً" مُتناحرة إلى الاتعاظ من تجارب لبنان التاريخية المؤلمة، فيعملوا على بناء دولة أكثر عدالةً وأكثر منعةً وأكثر إنسانيةً.

4- الإقلاع عن جعل لبنان ساحةً مُستباحة، تستدعي الخارج إلى الداخل، بما يمكّنُ هذا الخارج من تحقيق مصالحه الذاتية واستراتيجيتهِ بعيدة المدى.

5- العمل من اجل بناء لبنان جديد، يتثاقل في عملية انبثاقه. وبذا يأتي طرح حياد لبنان الدائم كفعل وليس كردة فعل على عدم امتلاك الدولة اللبنانية قرارها السيادي، وحصرية السلاح بيد الدولة، كما حصرية قراري السلم والحرب.

على ضوء هذه التوصيات والاقتراحات، فان طرح موضوع الحياد يتطلب المزيد والنقاش والحاجة الى حوار وطني حقيقي ، وان لا يتحول الى مادة سجالية تؤدي للمزيد من المشكلات والازمات ، ولبنان في غنى عنها اليوم في ظل ما يعانيه من ازمات سياسية ومالية واقتصادية ومعيشية.

قاسم قصير