العدد 1485 /3-11-2021

آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا خلال الفترة 1916- 1919م، وهو بهذه الصفة الرسمية يعبّر عن سياساتها الخارجية، وعندما كتب وعده للملياردير اليهودي اللورد دي روتشيلد يوم 2/11/1917م، لم يكتبه بصفته الشخصية، بل بصفته مسؤول الدبلوماسية البريطانية، وما يعزز صحة ذلك أن وعد بلفور جاء بعد محادثات بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية استمرت سنوات، وقدمت عدة مسودات قبل النسخة الختامية التي أعلنت يوم 2/11/1917م.

يبقى السؤال الأهم بعد مئة وأربع سنوات لوعد بلفور يتمثل في مراجعة المفاهيم والمصطلحات، والبحث في الأدوات والآليات التي من الممكن القيام بها لفضح الجريمة التي ارتكبتها بريطانيا، والتي كانت السبب الرئيس خلف نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948م بإقامة دولة (إسرائيل) على أراضي الشعب الفلسطيني.

أولاً: ضبط المصطلحات والمفاهيم بعد مئة وأربع سنوات على وعد بلفور.

صحيح أن بلفور هو من صاغ وعده لروتشيلد وبناءً على هذا الوعد أقيمت دولة الاحتلال الصهيوني، وأصبح شائعاً في كتب التاريخ وعلى شفاه الساسة بأنه وعد بلفور، ولكن لي وجهة نظر تحتمل الصواب والخطأ، وهي تسمية الوعد بوعد بريطانيا، حتى يكون راسخًا لكل أصحاب القيم والمبادئ في العالم؛ أن بريطانيا هي السبب المباشر في نكبة الشعب الفلسطيني، وأنها ارتكبت جريمة لا تغتفر ضد قيم الإنسانية، عندما ساهمت في عملية إحلال شعب مكان شعب على أساس عنصري. وعلى الرغم من أن الوعد قد نص على الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية داخل فلسطين، فإن ذلك لم يطبق، وحتى يومنا هذا مارست بريطانيا ازدواجية معايير منحازة لـ (إسرائيل) في التعاطي مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فبريطانيا اعتادت التصويت في المحافل الدولية ضد رغبات وحقوق الشعب الفلسطيني، كذلك رفضت نتائج التجربة الديمقراطية عام 2006م، وقادت عبر الرباعية الدولية شروطاً ظالمة على شعبنا وحصاراً مشدداً على المدنيين، واحتفلت بالذكرى المئوية لوعدها لليهود، مفتخرةً بأنها السبب في إقامة دولة (إسرائيل)، جاء ذلك في تصريحات على لسان رئيس حكومتها ماي تيريزا نهاية عام 2017م.

وهناك خطأ شائع لفت إليه رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية قبل أربع سنوات يقع فيه ساسة وأكاديميون بأن وعد بريطانيا (بلفور) أعطى من لا يملك لمن لا يستحق. وهذا خطأ والأصل أن نقول: أعطى من لا يملك لمن ليس له حق.

ثانياً: الأدوات والآليات لفضح وعد بريطانيا (وعد بلفور).

مئة وأربعة أعوام ونحن نعيش الذكرى الأليمة لهذا الوعد، ونمارس أشكالاً من الاحتجاجات والإضرابات والمظاهرات، ورغم أهمية ما سبق لم نحقق اختراقات في فضح الجريمة، ودفع بريطانيا للاعتذار والانحياز لحقوق شعبنا، وذلك يعود للأسباب الآتية:

أننا نخاطب أنفسنا ونحتج ليوم واحد على جريمة قضت على آمال شعبنا وساهمت في نكبته وضياع أرضه ومستقبله.

لم نفكر في البحث بأدوات جديدة لمواجهة تداعيات هذا الوعد ونتائجه الكارثية داخلياً وخارجياً، ولعل أهم تلك الأدوات، تزامن بؤرة الاحتجاج في داخل فلسطين، مع خارجها من خلال توظيف اللوبيات العربية والإسلامية وأحرار العالم لدعم هذا الحراك وتوجيهه ضد السفارات البريطانية والصهيونية في العالم.

اللجوء للقضاء البريطاني والدولي.

توظيف الدبلوماسية الشعبية والرسمية لتوضيح حقيقة الوعد الذي قامت به بريطانيا لكل شعوب الأرض وعلى وجه الخصوص الشعب البريطاني.

تبني إستراتيجية بموجبها يُشكَّل لوبي مؤثر في الانتخابات البريطانية للضغط على مراكز صناعة القرار لإعادة تقييم ما قامت به بريطانيا والاعتذار عنه، واتخاذ خطوات جريئة لدعم حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني.

الخلاصة: مئة وأربع سنوات مرت على وعد بريطانيا ووزير خارجيتها بلفور، في هذه الذكرى الأليمة على الإنسانية جمعاء ينبغي توظيف الحدث داخلياً وخارجياً للضغط على بريطانيا، وأن يصبح هذا اليوم حدثاً مكلفاً لبريطانيا كل عام، وصولاً لدفعها نحو التراجع والاعتذار ودعم الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه الثابتة.

حسام الدجاني