العدد 1456 /7-4-2021

هل رمضان السَنَة غير !!

الشيخ محمد احمد حمود

يا له من فضلٍ عظيم وكرمٍ غزير من الله تعالى أن جعل لنا مواسم خير، مواسم نزرع فيها بغية الحصاد في الدنيا والآخرة، ومحطات إيمانية نتزود من خلالها بزاد التقوى، ونتقرب إلى ربنا عز وجل بأنواع القربات. ومن هذه المواسم شهر رمضان، شهرٌ فيه ليلة هي خير من ألف شهر، شهر تصفد فيه الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، شهرٌ نغذّي فيه أرواحنا وأنفسنا وعقولنا قبل بطوننا، شهرٌ نكسر فيه روتين حياتنا اليومية التي اعتدنا أن نعيشها ربما دونما حلاوة.

في كل عام وقبل دخول رمضان بأيام نعد أنفسنا ونمنّيها بأننا سنصنع كذا وسنقوم من الليالي كذا وكذا، سنختم القرآن مرات ومرات، وسنبذل من الصدقات، وسنقرأ من الكتب كذا وكذا، ونخطط ونهيّئ أنفسنا، ثم ما إن يدخل رمضان وتمضي أول الأيام حتى تفشل المخططات عند الكثير وربما وأنا منهم، وسرعان ما تذهب الأمنيات والمخططات.

لماذا ؟

ربما لأننا نريد أن نلزم أنفسنا بأعمال ما تعودناها في أيامنا العادية، نريد أن نلزم أنفسنا بأعمال ما تعودناها قبل رمضان، فلا عجب سرعان ما تفشل المخططات والأمنيات.. فعلى سبيل المثال متى عهدنا بالقيام، وختم القرآن، ومداومة الصيام، وقراءة الكتب وتغذية العقول والأرواح والأنفس؟ فالفائز الفائز من كان عامه كله رمضان، وإذا دخل عليه ارتفعت الهمم فزاد في القربات.

كنا في العام الماضي في مثل هذه الأيام نرقب شهر الصوم ونتحراه، ثم ماذا؟ عام كامل بأيامه ولياليه قد قوض خيامه، وطوى بساطه، وشد رحاله بما قدمنا فيه من خير أو شر، لأن الأنفاس معدودة والآجال محدودة، ومِن أعظم نعم الله علينا أن مدّ في أعمارنا وجعلنا ندرك هذا الشهر العظيم إن أدركناه، فكم غيّب الموت من صاحب، ووارى التراب من حبيب.. تذكروا من صام معنا العام الماضي وصلى العيد، ثم أين هو؟ وأين هي الآن؟ غيّبهم الموت وواراهم التراب، ونسيهم الأهل والأحباب.

فلنجعل لنا من هذا الحديث نصيباً، قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فكان يقول لهم: قد جاءكم شهر رمضان شهرٌ مبارك، افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خير تلك الليلة فقد حرم الخير).

ولا ننسى أن المطلوب منّا في هذا الشهر المبارك هو تحقيق تقوى الله جل في علاه، فهي الغاية المنشودة، مصداقاً لقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.