العدد 1454 /24-3-2021

الشيخ محمد أحمد حمود

يشير مصطلح الإدارة الإستراتيجية إلى التوجه الإداري الحديث في تطبيق المـدخل الإسـتراتيجي فـي إدارة الدولة كنظام شامل ومتكامل، باعتبارها طريقة في التفكير وأسلوب في الإدارة وحسن قراءة الأحداث ومنهجية في صـنع واتخـاذ القرارات الإستراتيجية في الدول والمؤسسات والجماعات.

تخيّل أن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام كان في زمانه الذي لم يتخرج فيه لا من جامعات ولا مراكز أبحاث ودراسات ولا خلايا أزمات تعمل له ليل نهار وتحيطه بالمعلومات المطلوبة كي يتخذ قراراً في شؤون جماعته أو دولته التي يديرها، تخيّل انّ قراراته عليه الصلاة والسلام وخطواته وأساليبه تدرّس في العلم الحديث للسياسة الداخلية والخارجية على مستوى الدول.

كان صلى الله عليه وسلم يقرأ الأحداث بمنهجية وموضوعية لا مثيل لها، فكانت قراءته الاستراتيجية تتضمن التزاماً دائماً بالأولويات ودقّة حول موازين القوى وتدبراً في المآلات، فكان يقدّر لكل أمر قدره وينزله منزلته من دون انفعال ولا اندفاع. يضع اللين في موضعه حتى تحسبه لا يعرف الصرامة، ويحسم في موقع الحسم حتى تحسب أنه لا يلين، وهو يصدر في ذلك كله عن قراءة عميقة ودقيقة للمرحلة وظروفها ووزنها الاستراتيجي.

فتارة تراه يتعامل بشدة حين يقتضي الامر، كما حصل مع بني قينقاع الذين بيّتوا الغدر ومع بني النضير ومع بني قريظة عندما شاركوا بالفعل في مؤامرة اقتلاع الاسلام من المدينة، وتارة تراه يفاوض ويناور كما حصل مع غطفان حين فاوضهم على ترك الحلف الكبير ضده في المدينة وكما فعل مع جهينة حين استمال قادتها وأدخلهم في النطاق الامني للمدينة فصاروا اعواناً للمسلمين ضد قريش وقوافلها، وكما حصل في صلح الحديبية فيحقق مكاسب كبيرة لدولته ولشعبه. وحتى مع قريش التي كانت الخصم المركزي للمسلمين تدرّج في التعامل معها من الاستهداف الاقتصادي الى الصدام العسكري ثم الهدنة. كل ذلك عن وعي عميق ودقيق بقدر وطبيعة الضرر الذي يمكن لكل طرف أن يوقعه بالمسلمين، وبالإمكانيات المتاحة بين يديه ومقياس القوة الذي هو عليه، وكل ذلك في موضعه وعندما يحين اوانه.

خلاصة القول، يمكن اعتبار سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام تتضمن فكراً استراتيجيا بالمعنى المعاصر، ويتضح ذلك من خلال ملامستنا لبعض مبادئ الإستراتيجية المعاصرة.